ها .. نام النوم وهذا الخافق
– يا وجعي- يقظانْ ..
تنظر في ساعتك العطشى
للنهل الصامت من ساعات العمر..
أربع دورات بعد الصفر
والوقت يمر بطيئا..
ترشف قهوتك الباردة في صمت الصخر
- ما أبعدك اليوم أيا فجري!
تلفظها وتحلق في عالمك المترع بالأشجانْ
تبحث عن صدر يحميك من القهر
عن وطن فيه تختصر الأوطان
ويحط حمام القلب على الهدب
ولا يخشى فيه غمض الأجفانْ ..
تلفظها وتغوص إلى عالمك
الطافح بالأحلام
تبحث عن لغم تتفجر فيه
اللحظة ألف زمانْ
تبحث عن قلب .. عن دفء ..
عن خلد في جنة رضوان..
وتتيه..
فيهب نسيم
من نافذة القلب على الروح
ويحنط في غور الجرح
مسامات النسيانْ..
يفتح نافذة للذكرى
تذكر في وله عطر حبيبتك..
قبلتها الأولى
وشموخ غدائرها الجذلى
تذكر رقتها ..رونقها
وبراءتها..
كيف عصافير الجنة كانت من راحتها
تلقط حبات الرمانْ
كيف دموع الفرح المتأجج
تشعل لهفتها غزلا
حين على غصن الأيكة تلتقيانْ.
وتهزك ريح الذكرى
كم هي مؤلمة ريح الذكرى
فحبيبتك اليوم محاصرة
تشكو من نير قراصنة الموت..
أباحوا خضرتها
لجراد الحقد..
وعصافير الجنة تاهت
فاستوطنت الأيكة أسراب الغربانْ
*****
ويجيئك صوتي من قلب الأعماق
وبريق طلاوته الحبلى بالسحر
يذكي في قلبك جمر الأشواق
ويبوح لك الصوت الساحر بالسر ..
يا دهشتك الكبرى بالسر
يلفحك اللحظةَ جمري
تسري في عمقك أغنيتانْ
ويجيئك ثانية صوتي
كخرير النهر
وهديل الموج
وأنغام الشطآن..
الآن فقط تعرف كيف يبرعم طلع الحبر
كي تبيّض الأوراق..
الآن فقط تدرك كنه الإشراق
وتفيق..
تسأل عن وطن الصوت
وعلى وجهك ألف رجاء
فيجيئك ثالثةً صوتي
أنا واحة جمرٍ وصلاءْ
وبحيرة وقدٍ
وغديرُ ضياءْ
أنا جوهر كل النور وصفوته
قبس الكون وآيته
بيتي كل فؤاد مخضل بالحب
وطني كل الأوطانْ
يستهويني الظلُّ..
يعشقني عباد الشمس
أحضنه فيغار الفلُّ..
أقبل كل زهور الأرض وأعلو..
في شفتي قطر الورد
وعلى خدي الطلُّ
أنا قنديل الكلِّ..
وحين أطل فعلى الكل أطلُّ
على كوخ الفلاح وأبراج السلطانْ
لا أبيض أمقته..
لا أسود أهواه
الأبيض والأسود قي مملكتي صنوانْ
أنا دفء العشق..
وتباريح الشوق
أطلع نجما وضاء من قلب الأكوانْ
مترعة أنواري بأريج الروح..
مفعمة بأهازيج البوح
تسري أنغاما نشوى
فتفيض حنايا الأرض بدفق الألحان
أنا تنهدة الصب ..
مجمرة القلب ..
وهج الآه .
وقد الصبوات الحرى ..
روح الشهب السكرى ..
ووميض من أسرار اللهْ
أغنيتي عشق صوفي وصلاهْ
وتسابيح هوى عذري
ببريق الحب ، النبض ، الدفء أرتلها
أغمرها بشعاع الصفو وأسكبها
أنهارا تروي ظمأ الإنسانْ .
أغنيتي تشرق كل غروب بالألوانْ
وصباح الأحلام البيضاء الولهى
يحدوها مخضلا
بربيع الفرح الوردي اللامع كالجذلان
أغنيتي ترنيمة عصفور
أسكره نيسانْ
يا شاعر تلك الأرض
يا وهجَ الحقِّ
وضمير الإنسانْ
وشح أحلامك بالنبض
بالحب..
ببريق الصدق المخضوضب بالعشق
وسيغمر أشعارك فيض من فيضي
تتوهج أحرفك الحبلى
بالشجو و بالأحزان
تتوضأ من ينبوع الومض
فتصير قصائدك نورا .. لهبا
نغما يجرف أوحال الظلمة كالطوفانْ.
*****
يا شاعر تلك الأرض
يا ذاك الغارق في بحر الهذيانْ
إن صباح العمر اليوم هنا يلهو
وغدا يمضي ..
تتعقبه غيمات الزيف خيوط دخانْ
فاستنفرْ خيلكَ .. جندك وانهضْ
عبئْ عمقَكَ بالثورة والرفْضِ
فعناقيدُ الرفض أحلى فاكهة
والشعر النابض بالثورة أروع بستان
هذا الأبيض ، بدِّدْ كل الأبيضَ فيه
وتسربل ببياض الثلج
كُنْ كالأزرق عبئ قلبك بالموج
إن الأزرق للموج الهادر دوما ظمآنْ
استنفرْ خيلك .. حرفك وانهضْ
انهلْ وهجَ الصفوِ وكنه الصَّحْو
من رعشة أغنيتي السكرى
حين تهز القلب وتغزو أعماق الشريانْ
تم إن شئتَ فنَمْ
إن يصحو عمق الشاعر ..
فلتنم العينان.
وتفيق..تحاول لم شتاتك..
تستجمعك الأوراق..
تتعثر بين أناملك الثقلى علبة كبريت
تشعل سيجارة آخر ذاك العشق
تأخذ منها نفسين
تصحو من دهشتك العارمة
يَرْمقُكَ الفنجَانْ..
لكن لا وقت الآن لشرب القهوةِ
فالخافق مخمور بضياء الأغنيةِ
قد لف جوانحه سحر العطر
فما عادت تستهويه قطف الخدر
و أسرار الإدمانْ..
لا وقت الآن لشرب القهوةَ
لا وقت لقرض الشعر
مزِّقْ أشعارك كاملةً
ستطل على الأرض العطشى
بعد قليل أغنيتي
أروع ما غنت شفتانْ
فاكسر أقلامك .. قمْ ..
حطم أغلالك ..هشم أسوارك
وانسف هاتيك القضبانْ
فقصيدتك الحلمُ سَرابٌ
أن تكتب أو لا تكتب معضلةٌ..
فالأمر غدا سيانْ..
قمْ يا شاعر تلك الأرضِ
وشِّحْ أحْلامَك بالوَمضِ
اخرجْ من وهْمِك .. من سجنك
من أرضك .. من كل الأزمانْ
أخْرجْ .. حَدِّقْ في الأفقِ تَرَى
جدول أغنيتي ينساب إلى الروح
لحنا سحريا دفاقا كالنهر النشوانْ
ولعل جلال السر يسكنك
فتجيش حناياك ببعص
من مكنونات الكون
وتلف شظاياك فيوضات من فيض الله
وإذ ذاك فقط..
تغدو سرا يجري في لجته
عبق الوجدانْ
إذ ذاك فقط ..
تغدو نصفي إنسانْ.