الحلقة الحادي عشر
أمسكت راوية بيدي بين يديها و هي تبتسم في رقة :
ـ اطمئني يا حبيبتي، إنها مجرد اضطرابات و إن شاء الله مع العلاج سيكون كل شيء على ما يرام... أرني ابتسامتك الجميلة!
هززت رأسي في عناد و سحبت يدي من بين يديها و أنا أقول مغالبة دموعي :
ـ لا يا راوية... الطبيبة لم تشأ أن تخبرني بكل الحقيقة... أنت تعلمين مثلي أن مهنة الطبيب توجب عليه التخفيف عن المريض و عدم تهويل المسألة مهما كانت خطيرة... حفاظا على روحه المعنوية...
رمقتني راوية في أسى و قالت :
ـ لكن لا يبدو أن طبيبتنا قد أفلحت في الحفاظ على روحك المعنوية...
كانت الآلام قد خفت بعد أن بدأت أخذ الأدوية... و كان من الصعب علي حقا أن أتبع تعليمات الطبيبة، نظرا لكثرة الأدوية من جهة، و المحاضرات المتتابعة التي قد تتجاوز الساعات الخمس من جهة أخرى... لكن راوية كانت دائما إلى جانبي، تذكرني بموعد الدواء... و أمي توصلني بالسيارة كل صباح و أجدها في انتظاري آخر النهار... يا لهذا الدلال!
كنت واقفة مع راوية في فترة الاستراحة من عصر ذاك اليوم.
فجأة أخذت راوية تشدني من قميصي لتثير انتباهي و هي تهمس :
ـ مرااااام... انظري من القادم!!
التفتت لأراه على قيد خطوات مني... و ابتسامته المتألقة على شفتيه... كان من الواضح أنه يقصدنا!!
ألقى التحية، فرددنا ثم ساد صمت رهيب بيننا كأن على رؤوسنا الطير قبل أن يبادر حسام قائلا :
ـ آنسة مرام... كنت أريد أن أتحدث معك قليلا، لو سمحت... لن آخذ من وقتك الكثير...
وقفت لا أعي ما الذي يجب علي فعله، في حين ابتعدت راوية خطوات و هي تقول :
ـ تذكرت... علي أن أحضر حاجياتي... تركتها في قاعة المحاضرة... لن أتأخر عليك...
ما الذي تفعله هذه البنت؟؟
كيف تتركني بمفردي معه؟ سوف ترى مني عقابا صارما!!
احمر وجهي بشدة، و وقفت مطأطأة الرأس... رفعت عيني ببطء... كان وجهه يكاد ينفجر من الاحمرار...
يا إلهي!
رحمتك يا رب..
ـ آنسة مرام... اعذريني إن كنت أعرضك لموقف محرج... لكن كان يجب أن أتحدث إليك قبل أن أقدم على خطوة جدية... و أخشى أن تكون مشاعري أحادية الجانب... لذا أردت أن أعرف رأيك المبدئي...
يا إلهي... هذا ما كان ينقصني الآن...
يا إلهي... كم انتظرت هذه اللحظة، و كم تخيلت هذا الموقف في أحلام اليقظة...
كم عشتها بكل جوارحي و رأيت نفسي و أنا أهمس في خفر... أنا موافقة!
كم حلقت مع الطيور و سرحت بين الفراشات و الدنيا لا تسعني...
إنها السعادة التي تمنيتها
إنه الرجل الذي انتظرته...
لكن الآن... كل شيء تغير...
إنه لا يعلم أنني قد لا أكون قادرة على الإنجاب... قد لا أقدر على إسعاده!!
و لا يمكنني حتى أن أخبره...
و كيف أكاشف رجلا أجنبيا عني بمشاكلي الصحية، بل و بأخص خصوصياتي؟!
أي كلمات ستسعفني لأعبر؟
حبست دموعي التي بدأت تطل من نوافذ عيني... و ابتلعت ريقي الذي جف...
ـ مرام... أنا معجب بك منذ فترة... معجب بأخلاقك و تدينك و طريقة تفكيرك و ثقافتك... و أريد أن أطلب يدك من والدك... إن كنت موافقة على إنشاء علاقة جدية بيننا...
أي موقف يضعني فيه؟!
أي حيرة أعيشها؟!
أي ذنب جناه المسكين حتى أدخله دوامتي؟!
إنه ككل الرجال يطمع في بيت سعيد يملؤه الأطفال بضحكهم البريء...
يحلم بولد يملأ عليه حياته...
لكنني قد لا أحقق له أمانيه... بل أكون قد خنت ثقته و خدعته إن وافقت دون أن أكون صريحة معه... و هو ما لن يسامحني عليه في المستقبل... و لن أسامح نفسي عليه أبدا!
لا يجب أن أظل ساكتة، حتى لا يحسب أن السكوت علامة الرضا...
ـ مرام...
يبدو أن صمتي قد طال و قد أخذني حواري الداخلي مع نفسي...
و خرج صوتي أخيرا، مبحوحا مليئا بالألم :
ـ... أنا آسفة... و لكنني غير مستعدة حاليا...
أحسست بوقع الصدمة عليه...
أحسست بآماله تتبعثر... و أنا التي بعثرتها بكل قسوة...
و أحسست بقلبي يتحطم بين ضلوعي
<<<<<< تابعونا >>>>>>