الحلقة الثالثة عشر:
توقفت السيارة أمام الكلية. فتحت الباب و قبلت أمي بسرعة ثم نزلت و هي تتابعني بتوصياتها :
ـ لا تنسي موعد دوائك... انتبهي لنفسك جيدا...
هززت رأسي موافقة و قطعت الشارع. على الرصيف كانت راوية في انتظاري رفقة... دالية... و على شفتيهما ابتسامتان غامضتان.
اقتربت بخطوات مترددة، و قد فهمت أن وجود دالية مع راوية في انتظاري يعني بالتأكيد أنها تحدثت إليها بشأني!
سارعت دالية بمعانقتي و هي تهمس :
ـ حسام يبلغك سلامه... و يطلب موعدا مع والدك في أقرب وقت...
كان لكلماتها وقع حلو في أذني، رافقه خفقان قلبي بشدة... من الفرحة!
حسام...!!!
يا لعناده! لقد وافق إذن! ترى ما الذي ما أبلغته به راوية؟!
لكنه يريدني رغم ما سمع... و رغم كل ما يجهل عني...
يا إلهي... أنت الرحيم بعبادك...
و لكن... هل أستحق...
نظرت إلي راوية في تمعن و قالت :
ـ مرام... ما بك واجمة؟ ننتظر ردك... ألست موافقة؟
اغرورقت عيناي بدموعي الحبيسة و أجبت بصوت خفيض :
ـ بلى... و لكن...
استفسرت دالية في قلق و قد غاضت ابتسامتها :
ـ و لكن ماذا؟
ـ ألا ينتظر حتى أنتهي من العلاج، ثم نتأكد...
ضحكت راوية في رقة ثم قالت لدالية :
ـ إنها تحتاج إلى رأي دكتور في الموضوع... و ليس أي دكتور!
ابتسمت دالية بدورها و تأبطت ذراعي و هي تقول :
ـ أخبريني أولا هل الموضوع الذي حدثتني به راوية هو السبب الوحيد لرفضك؟
طأطأت رأسي حياء و همست في خفر :
ـ نعم!
فابتهجت دالية قائلة :
ـ الحمد لله! نتكلم في المفيد إذن! أخي... الدكتور حسام... يخبرك يا آنستي بأن الأدوية التي تتناولينها ليست سوى مقويات و معدلات هرمونية ... و ما دام المبيضان ينتجان البويضات فأنت يا أختي سليمة معافاة! و أما عن الإنجاب فهو يقول لك... الذرية الصالحة نعمة من الله، يرزقها من يشاء و يحرمها من يشاء... و ما الأمراض إلا مسببات! كما أنه يقول أن الرسول صلى الله عليه و سلم يقول : (الدنيا متاع و خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة) فإن كانت زوجته صالحة فذاك من رضا الله و كفى! و هو على كل حال قد استخار قبل أن يكلمك و كان مطمئنا لاستخارته. فما عليك إلا أن تستخيري أنت أيضا... و إن شاء الله كل شيء يتم على خير...
كانت كلماتها الرقيقة تمسح الهموم عن قلبي...
لو أن كلامه عن مرضي يكون صحيحا... يا رب!
يا الله! ما أحلى إيمانه بالاستخارة... و كم قلبه عامر بتقوى الله...
((و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب))
أحسست بالصغار أمامه... أين إيماني من إيمانه!؟
كيف أني اهتززت أمام أول ابتلاء ابتلاني به الله تعالى و يئست من الدنيا
و الله تعالى يقول في كتابه الحكيم : (( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون))
يا رب أعوذ بك أن أكون من القوم الكافرين... أعوذ بك من ينسيني ابتلاؤك رحمتك
يا رب إني وكلتك أمري كله... و من يتوكل على الله فهو حسبه
يا الله كم أنا في حاجة إلى مزيد من التقرب منك...
اللهم اكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به...
انتبهت على صوت دالية تقول مداعبة :
ـ و طبعا إن كنت في حاجة إلى المزيد من التوضيحات، فالدكتور حسام ليس لديه مانع البتة في تقديم الشروح اللازمة في أي وقت شئت!
تضرج وجهي... فتابعت دالية في مرح :
ـ لو رأيت ما فعله بنا حسام في اليومين الماضيين! أمي كانت ستموت من القلق عليه... أغلق الغرفة على نفسه و رفض الطعام! و أخذ يتصرف كالأطفال، لا يرضيه شيء و لا أحد ينجح في رسم الابتسامة على شفتيه... لكن البارحة، انقلب وضعه كأنه كان يمثل علينا!! دخلت عليه بالدواء العجيب فقام كمن لا علة به، حملني بين ذراعيه و كاد يلقي بي من النافذة من شدة الفرح!! لم أر أخي بهذا الجنون من قبل!
أفلتت مني ضحكة صغيرة... يا لأسلوب دالية المميز!
فهتفت راوية في سعادة :
ـ نعم يا مرام... اضحكي! كفاك بكاء و دموعا...
ثم نظرت إلى دالية و هي تقول :
ـ لو كان حسام اكتفى بالوجوم فمرام أغرقتنا في بحر من الدموع!!
لكزت راوية بمرفقي لتصمت... و ضحكتا معا في مرح...
في تلك اللحظات كان هنالك شخص رابع يقترب من موقفنا، بخطوات بطيئة مترددة...
لم ألتفت... لكنني سمعت دالية تهتف و ابتسامتها تتألق :
ـ أهلا أهلا بالدكتور!
كأنه كان يراقبنا من مكان قريب، و حين اطمأن إلى استقرار الأوضاع قرر الالتحاق بنا!
تقدم منا أكثر حتى وقف بيني و بين أخته، و كل منا يتجنب نظرات الآخر. حيانا في هدوء و أدب... ثم بادرني و أن أحس بنظراته تستقر علي بوداعة :
ـ كيف حالك يا مرام؟
رفعت رأسي ببطء شديد، و ابتسامة خجلى ترتسم على شفتي :
ـ بخير... كيف حالك أنت؟
ـ يسرني أنك وافقت أخيرا...
كانت راوية تتأملنا كأننا لوحة زيتية أو المشهد الأخير من فلم رومانسي... تنتظر أن تكتب ((النهاية)) بخط عريض و على شفتيها ابتسامة حالمة!
قاطعتنا دالية بضحكتها الطفولية و هي تهتف :
ـ نسيت أن أقول لك يا مرام، أنني سأزوركم الليلة مع ماما... للتعارف و...
ثم غمزتنا في مرح... فاحمر وجهانا دفعة واحدة.
اللهم ارزقنا وارزق جميع بنات المسلمين هذه اللحظة والزواج بازواج صالحين وارزقنا الخير ورضنا به آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين
[
img]
http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/255425_10150869915751616_1803495053_n.jpg[/img]