الحلقة عشرون:
استيقظت مبكرة اليوم على غير العادة... جهزت نفسي بسرعة ثم جلست إلى المكتب أقوم بمراجعة أخيرة للدروس التي استغرقت أياما و ليالي طويلة لفهمها و حفظها. ليس بإمكاني أن أراجع كل شيء فوقتي الضيق لا يسمح إطلاقا بالعودة إلى المراجع الكثيرة المكومة على مكتبي... لكنني رحت أقرأ في بضع وريقات دونت عليها ما تعسر علي استيعابه...
لكنني لم أستطع التركيز، فقد راح بصري ينتقل بصفة دورية بين الورقة و ساعة الحائط التي تعلن مرور الدقائق سريعا، مما يزيد من توتري...
رفعت رأسي و تنهدت
اللهم إني أسألك فهم النبيين و حفظ الملائكة المقربين
و عدت ألتهم الأسطر التهاما...
لم يبق الكثير من الوقت...
يجب أن أذهب الآن...
طويت وريقاتي و وضعتها في محفظتي. ربما تمكنت من المراجعة لاحقا إذا توفرت لدي بضع دقائق قبل دخول قاعة الامتحان.
وصلت إلى الكلية فوجدت راوية صحبة بعض الزميلات يراجعن معا نظام عمل الخلية. استمعت إليهن قليلا... جيد، يمكنني الإجابة بسهولة على هذا الجزء من الدرس. فلأعد إلى أوراقي...
أخرجت دفتري و أبحرت فيه قبل أن يوقظني صوت راوية و هي تنظر في الورقة التي بين يدي :
ـ اممم... يبدو أنك قد راجعت جيدا... فأنا لم أملك الوقت حتى لأتم الأجزاء الأكثر أهمية من الدرس... فما بالك بالحالات الاستثنائية و التفاصيل الثانوية!!!
ابتسمت و أن أهز رأسي :
ـ الحمد لله، لقد بدأت المراجعة باكرا... لكن حجم المادة الدراسية ضخم للغاية و لا يمكن الإلمام به مهما حاولت!! فكما ترين، أجد صعوبة مع الكثير من النظريات...
وقلبت الأوراق أمامها ثم هززت كتفي في لامبالاة و استطردت :
ـ على أية حال، كل منا سيدخل الامتحان بما استقر في رأسه... كثر أم قلّ... و لا سبيل إلى التحسر الآن!
نظرت إلي راوية في تمعن ثم ابتسمت قائلة :
ـ مرام... هل تجلسين إلى جانبي؟
قلت في غير اكتراث :
ـ طيب...
فقالت مستفسرة :
ـ ماذا راجعت أيضا؟ كي أعلم في أي الأجزاء يمكنني أن أعتمد عليك...
نظرت إليها مستغربة ثم ابتسمت و قد أدركت أنها تمزح :
ـ قولي أنت أولا! فيم يمكنك مساعدتي... فأنا لا أقدم الخدمات دون مقابل!!
قالت في حركة مسرحية :
ـ كل معلوماتي تحت أمرك و ملك يدك... يكفي أن ترضي عنا يا آنستي!
ثم أردفت ضاحكة :
ـ و تعاونوا على البر و التقوى!
شاركتها الضحك، ثم دخلنا القاعة سوية.
جلسنا في مقعدين متقاربين و أخذنا نستعد... أخرجت الورق و القلم و حفظت الدفتر في الحقيبة.
بعد لحظات دخل المشرفون على الامتحان و شرعوا في توزيع أسئلة الامتحان. أغمضت عيني و رحت أستذكر أدعية الامتحان
اللهم أدخلني مدخل صدق و أخرجني مخرج صدق و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا
اللهم اشرح لي صدري و يسر لي أمري
بسم الله توكلت على الله لا حول و لا قوة إلا بالله...
تنفست بعمق ثم نظرت إلي راوية التي بادلتني ابتسامة واثقة و همست كل منا للأخرى :
ـ وفقك الله...
ثم تناولت الورقة و بدأت العمل...
مرت الدقائق تلو الدقائق و أنا لا أكاد أرفع رأسي عن الورقة. الاختبار طويل و الوقت ضيق و كل دقيقة ضائعة تحسب عليّ!
توقفت عند سؤال استعصى علي... اللهم علمني ما جهلت و ذكرني ما نسيت...
كنت أحاول التركيز قدر الإمكان و استرجاع الدرس في ذاكرتي رويدا رويدا علني أعثر على النقطة التي تدلني على الحل...
فجأة تناهى إلي همس خافت... رفعت رأسي فوجدت راوية تناديني! التفتت إليها مستغربة. كانت تمد إلي ورقتها مشيرة إلى السؤال الذي أعياني البحث فيه. لم أفهم قصدها في البداية... لكنها كانت تعرض علي المساعدة!
أشرت إليها بأن ترجع ورقتها قبل أن يتفطن المراقب و يمسكها متلبسة!
هزت كتفيها و كأنها تقول : كما تشائين...
عدت إلى ورقتي من جديد و قد بدأت الرؤية تتضح أمامي و لم ألبث أن وجدت الحل فكتبته في سرعة و على شفتي ابسامة جذلى و انتقلت إلى السؤال الموالي.
لم ألبث أن سمعت همسا من جديد... إنها راوية ثانية!
كانت تشير إلى سؤال تعسر عليها الإجابة عنها... و لكن... هل تتوقع مني أن أمرر إليها ورقتي لتنقل منها الأجابة؟!
إنها بالفعل تطلب الورقة!
ـ لا تقلقي سألقي نظرة و أعيدها قريبا...
تلفتت فإذا المراقب في ركن بعيد لا يمكنه رؤيتنا منه...
يا إلهي ماذا أفعل؟!!!
كانت راوية تنتظر ردي أو أن أمد إليها ورقتي...
لا يمكن أن أفعل هذا مهما حصل! حتى لو كان المراقب بعيدا عنا فعين الله ترقبنا!
صحيح أنني لست من يحاول الغش، لكنني أكون قد ساعدت على الغش!
يجب أن أفهم راوية الأمر بعض الفرض حتى لا تتكرر الحادثة...
لكن الآن... ما العمل؟!
ستغضب مني إن تجاهلتها أو رفضته... كما أنه ليس الوقت و لا المكان المناسب لتقديم المواعظ...
عقدت حاجبي و نظرت إلى راوية مستفسرة و قد بدا على وجهي علامات عدم فهم قصدها... استمرت تحاول التفسير مشيرة إلى الورقة و محاولة توضيح رقم السؤال بأصابعها... هززت رأسي و كأنني أقول : لا أفهم شيئا من إشاراتك!!!
ثم أشحت بوجهي و عدت إلى ورقتي حين لمحت المراقب يقترب...
بعد بضع دقائق عادت همسات راوية...
لكنني كنت قد قررت تجاهلها تماما، كأنني لم أسمع شيئا... لكنني في نفس الوقت لم أستطع التركيز على الأسئلة التي أمامي، فقد كنت أشفق على راوية التي لم تستطع مراجعة كل الدروس بسبب زفاف أختها...
لكن ما حيلتي!
اقترب وقت الاختبار على الانتهاء و كانت راوية قد يئست مني و توقفت عن مناداتي منذ زمن...
أعلن المراقب انتهاء الاختبار فوقت لتسليم و رقتي. كانت راوية لا تزال تعصر أفكارها محاولة الإجابة على الأسئلة المتبقية. سلمت ورقتي و خرجت من القاعة و كان عدد من قليل من الطلبة لم يغادر القاعة بعد في محاولات أخيرة يائسة لإيجاد الحل الدي عجز عنه في ساعات في ثواني!! مع تصاعد التوتر من نداء المراقب و تهديده بمغادرة القاعة و حركة الجيئة و الذهاب من طرف الطلبة الذين يسلمون أوراقهم و يجمعون أدواتهم و يتحدثون بصوت عال...
وقفت خارج القاعة في انتظار راوية...
و أخيرا رأيتها مقبلة و هي تزفر في قلق. توجهت نحوها مبتسمة :
ـ و أخيرا خرجت... ألم...
بترت عبارتي حين وجدتها تشيح بوجهها تبتعد عني في خطوات سريعة!!
تسمرت في مكاني من الدهشة... ما الذي حل بها؟!
لحقت بها و أنا أناديها :
ـ راوية... راوية... انتظري!
لكنها تجاهلتني و بات من الواضح أنها غاضبة مني فعلا!
أسرعت و أنا على وشك الركض في الساحة و أمسكت بذراعها لأوقفها :
ـ ماذا دهاك؟! توقفي و كلميني!
التفتت إلي و قد بدت عيناها محمرتان و هي على وشك البكاء :
ـ اتركيني الآن... لست مستعدة للكلام مع أحد!
أفلتت ذراعها و قلت بعد تردد قصير :
ـ راوية... أنا آسفة بالنسبة للامتحان... لم يكن بإمكاني أن...
قاطعتني في شبه صراخ :
ـ قلت لا أريد أن أسمع شيئا!
كانت تتنفس بسرعة و عصبية... استطردت بعد لحظات :
ـ أنت تجاهلتني... و رفضت مساعدتي، مع أنك تعلمين أنني في أمس الحاجة إلى تقدير هده المادة... هل هده هي الصداقة في نظرك؟!
أمسكت يدها في توسل و شفقة :
ـ و لكن يا راوية هدا اسمه غش...
هتفت غاضبة :
ـ الضرورات تبيح المحظورات!!!
ثم ركضت مبتعدة... لم أملك أن ألحق بها ثانية... فلأتركها لتهدأ، ثم سنتحدث باتزان...
لمحت دالية أمام الكلية، حييتها بيدي من بعيد فاقتربت مني مبتسمة و هتفت :
ـ كنت أبحث عنك... كيف سار الامتحان اليوم؟
ـ الحمد لله... بخير إن شاء الله
ـ الحمد لله... أنا أيضا متفائلة بما قدمت... المهم... أنا هنا في مهمة!
ثم غمزتني ضاحكة... فتسارعت دقات قلبي...
ـ احم احم... الدكتور حسام سيزوركم مساء الغد على الساعة السادسة... و قد كلفني بالقيام ببعض التحريات...
ـ تحريات؟!
ـ نعم... فهو يريد أن يعرف إن كان والدك على علم بكل التفاصيل، و إن كان يعتبر هاته الزيارة لمجرد التعارف أم أنه ينتظر منه الحديث في موضوع الخطبة مباشرة؟
سكتت قليلا مفكرة :
ـ المفروض أن أمي أعلمت أبي بكل التفاصيل... تقريبا... لكن لا أدري إن كان يريد الدخول في لب الموضوع مباشرة قبل أن يتعرف على حسام و يسأل عنه...
ضحكت دالية و هي تقول :
ـ المشكلة أنه يجهل تماما ما يجب فعله و قوله في مثل هاته المناسبات!!
ـ فليسأل والدك!
ـ أنت تعلمين أن العادات تتغير من جيل إلى آخر... كما أن والدي مسافر هاته الأيام
ـ أليس له صديق خطب مؤخرا؟ قولي له أن يحضر معه أحد أصدقائه أو أقاربه حتى لا يحس بالحرج بمفرده
ـ لا أظن... هو لا يريد أن يعرف أحد بالقصة قبل أن تتم الخطبة رسميا... فقد قرر أن يذهب بمفرده! لكن عنده سؤال آخر... هل قاعة الجلوس عندكم مفتوحة أم منفصلة عن بقية الغرف؟
نظرت إليها في دهشة ثم انفجرت ضاحكة :
ـ هل يخشى أن ينصت إلى حديثه أحد ما؟!
ـ بل قولي يتمنى أن يأتي لنجدته أحد ما إن لم يستطع السيطرة على الموقف!!
ضحكنا في مرح و قلت :
ـ قولي له أن قاعة الجلوس منفصلة... لكن من يرغب في استراق السمع يمكنه الوقوف في الحديقة أمام إحدى النوافذ أو في الممر...
ـ سؤال أخير... هل سيكون هنالك أحد آخر غير والدك في استقباله؟
ـ امم... لست أدري إن كان أخي ماهر سيقحم نفسه في الموضوع... لكن ربما حضر عمي... لست متأكدة...
ـ إذن لا يمكنك المساعدة في شيء!! جميع الإجابات لا أدري!! سيقول عني أنني متحرية فاشلة!!
ضحكنا من جديد ثم افترقنا قريبا من بيتنا...
كنت أفكر في راوية... كيف سأسترضيها؟
دخلت غرفتي و استلقيت على ظهري و غفوت قليلا...
اسيقظت بعد فترة وجيزة منتفضة بعد أن رأيت كابوسا مزعجا!! كيف أنام مرتاحة البال و صديقة المقربة غاضبة مني؟!
وقفت بسرعة و طلبت رقمها على الهاتف الجوال... انتظرت لحظات قبل أن يفاجئني صوت أمها!!
ـ مرحبا مرام... كيف حالك و كيف حال والدتك؟ راوية متعبة قليلا و قد طلبت مني أن أجيب على الهاتف...
ـ سلامتها... هل هي بخير؟
ـ لا تقلقي... مجرد تعب سيزول قريبا...
وضعت السماعة في أسف...
راوية لا تريد أن تكلمني!!
<<< تـابعـــــــــــونا غدا باذن الله >>>