الحلقة الخامسة والعشرون:
استيقظت مبكرة على غير العادة بعد ليلة طويلة مليئة بالأحلام السعيدة...
تطلعت إلى المنبه الذي لم يرن بعد... إنها الساعة الرابعة!!!
ما الذي جعلني أستيقظ في هذا الوقت؟؟ عدت إلى النوم، لكنني لم أستطع أن أغفو ثانية... لبثت تحت الغطاء و الدقائق تمر بطيئة...
لم كل هذا القلق يا مرام؟؟
كان قلبي يخفق بشدة في كل مرة أتذكر فيها المكالمة الموعودة...
كيف سيكون صوته في الهاتف؟ و كيف سأتحدث معه؟
حتى و إن كانت أمي قريبة و دالية إلى جانبه... فإنني أحس أن خط الهاتف الذي يصل كلماته بأذني، يفصلنا عن كل ما حولنا... بل أنه للمرة الأولى سيكون بيننا حوار خاص!!!
فيم سنتحدث يا ترى؟؟
و كيف سأتصرف؟؟
علي أن أكون تلقائية... لكن في نفس الوقت أن أتجنب الضحك و التفكه...
و أن أخفض من صوتي... ليس مثلما أتكلم مع راوية أو دالية!!
هل سأجد الكلمات المناسبة؟ ماذا إن وجدني ثقيلة الظل؟؟ أو خفيفة طائشة؟؟
يا عزيزتي يا مرام... كوني طبيعية... كوني مرام و كفى... فعليه أن يقبلك كما أنت... و إن لم تعجبه شخصيتك فمن الأفضل أن تقف العلاقة في بدايتها...
تنفست بعمق و قد ازداد ارتياحي، ثم قمت فتوضأت و صليت بضع ركعات في ظلمة الليل و جلست أنتظر صلاة الفجر...
يا رب... اكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به...
صار ذاك هو دعائي المفضل مذ عرفت دعاء الاستخارة...
كان يوما طويلا علي في الكلية، و كنت أتطلع بين الفينة و الأخرى إلى الساعة... متى تحين الساعة السابعة!!!
كانت المحاضرات تنتهي عند الساعة الخامسة، ثم يبقى لدي الوقت لأعود إلى البيت و أستريح قليلا قبل أن يأتي الموعد...
كنت أهم بمغادرة الكلية صحبة راوية حين اقتربت منا دالية و هي تلهث :
ـ الحمد لله لحقت بك قبل أن تنصرفي... كنت أبحث عنك...
نظرت إليها في قلق في حين هتفت راوية في لهفة :
ـ أكيد لديك رسالة من حسام؟! قولي قولي... هل أنا مخطئة؟
ابتسمت و هي تقول :
ـ نعم بالفعل... فقد اتصل بي ساعة الغداء و طلب مني أن أبلغك شيئا ما...
تطلعنا إليها في ترقب و قالت :
ـ الحقيقة أنه يعتذر لك... لأنه لن يتمكن من الاتصال بك هذا المساء...
خيم علينا الوجوم للحظات قبل أن تسترد دالية أنفاسها و تستطرد قائلة :
ـ لم يذكر السبب، لكنه طلب مني عنوان بريدك الالكتروني... قال أنه سيفسر لك بدقة لأنه لا يستطيع أن يمل علي ما يريد تبليغه لك...
بادرتها في قلق :
ـ دالية... طمئنيني... هل هو بخير؟
ـ لا تقلقي... ليس أمرا متعلقا بصحته أبدا... هو بخير و قد ذهب إلى المستشفى اليوم...
ثم تداركت ضاحكة :
ـ من أجل التمرين و ليس من أجل العلاج طبعا... لكنه لم يملك الوقت الكافي ليشرح لي على الهاتف لذلك قال بأنه سيرسل إليك... لا داعي للقلق!!
عدت إلى البيت مسرعة... و قد صار موعد الساعة السابعة بلا قيمة... و لكن هنالك رسالته منه تنتظرني!!!
دخلت إلى غرفتي على عجل و فتحت الحاسوب، و بدا لي أنه استغرق وقتا أطول من العادة ليفتح!! و أخطأت مرتين و أنا أدخل كلمة السر لحسابي الالكتروني...
و أخيرا فتحت الرسالة...
قرأتها مرتين و أنا مبهورة الأنفاس...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
آسف لأنني اضطررت إلى إخلاف و عدي الأول لك بخصوص المكالمة الهاتفية... و لكنك إن قرأت رسالتي هذه إلى النهاية ستلتمسين لي العذر و تتفهمين موقفي، بل إنني واثق أنك ستؤيدينه...
بعد أن وافقت البارحة على الاتصال بك، لبثت قلقا لسبب أجهله... ربما لأنني لم أضع المكالمات الهاتفية في حسابي للمرحلة الحالية... لكنني للوهلة الأولى لم أر مانعا طالما أن والدتك موافقة و هي ستكون قريبة منك...
لكن رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم علمنا الاستخارة في كل أمور حياتنا، خاصة تلك التي تبعث القلق في نفوسنا... لذا فقد قررت أن أستخير قبل أن أتخذ أية
خطوة...
استخرت البارحة قبل النوم، لكنني لم أر في نومي أية علامة... فتوكلت على الله و قد قررت أن أتصل بك... لكن اليوم حين وصلت إلى المكتب و فتحت الحاسوب، ظهرت أمامي فجأة نافذة من موقع إسلامي فيها تحذير من الحديث بين الشاب و الفتاة على الهاتف و المسنجر... لست أدري لم اقشعر جسمي حين قرأته، مع أنه يتحدث عن كلام الغزل الذي يحدث بين الشباب الطائش و العلاقات التي تبنى دون معرفة الوالدين، لكنني أحسست أنه رسالة إلي من رب العالمين، بل أنه يحمل الجواب على استخارتي!!
مرام أرجو أن تفهميني... ربما ليس حديثنا في حد ذاته من المحرمات، و ربما كنا نجتهد و نجاهد أنفسنا للابتعاد عن المعاصي و نتقصى رضاء الوالدين في كل خطوة... فربما كانت والدتك موافقة لأن الأم بطبعها حنونة و تتجاوز و تخضع لرغبات أبنائها... لكنني لست واثقا من أن والدك سيكون له نفس الموقف!!
كما أننا نرجو من علاقتنا هذه أن تكون طريقنا إلى فراديس الجنان و نبتغي أن تكون في سبيل الله و وسيلة لزيادة طاعته... أملنا أن نبني نهضة الأمة من خلال تكوين بيت مسلم، يبارك لنا الله فيه من أول لحظة، يبارك لنا حتى في نوايانا و في دخائل نفوسنا...
فهل يليق بمن يحمل مثل هدفنا أن ينصاع إلى رغباته و أحاديث نفسه؟ حتى إن كانت لا تتجاوز الحدود الشرعية، فهي مدخل من مداخل الشيطان... و قد تقودنا إلى رغبات أخرى أكبر منها، مثل المكالمات الخاصة دون علم الأهل لأننا ضمننا موافقتهم و من ثم اللقاء...
ألا ترين أن نقنع الآن و نفرح فيما بعد... يوم يباهي بنا الله عباده و ملائكته... و يقول انظرا إلى هذين... كانا يتحريان مرضاتي في كل حركة و سكون... و هل في الدنيا فرحة تساوي فرحة ذاك اليوم؟
لذا فإنني أرى ـ و أظنك توافقينني ـ أن نتجنب كل ما يضعف نفوسنا، خاصة أن للصوت فتنة...
على أمل أن يعجل والدك بالموافقة على الخطبة الرسمية... أتركك في أمان الله
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
كانت ابتسامة سعيدة ترتسم على شفتي... و أنا أعيد قراءة الرسالة للمرة الثالثة... و قد سكنت في عيني نظرة حالمة...
رغم أنني لم أحصل على المكالمة الموعودة، إلا أنني أحسست بأن ما حصلت عليه هو أحلى بكثيييير...
كنت أحس بالصغار أمامه... فأين تفكيري من تفكيره!! أين انسياقي وراء رغباتي من حسن تدبيره؟! أين تسرعي من حكمته؟!
بارك الله لي فيك يا حسام... و حفظك لي من كل سوء... و جمعني بك قريبا على خير...
كان شعور عميق بالاطمئنان يتدفق إلى قلبي في دفء...
سأكون في أيد أمينة معك... إن شاء الله
<<< تـابعـــــــــــونا غدا باذن الله >>>