الحلقة الثلاثون:
كانت قصة راوية غريبة نوعا ما... لكنها كانت تشعرني بالإثارة!
شاب مسيحي يسلم و يريد منها إقناع صديقته بالإسلام... ثم تنامي مشاعرها نحوه... و تمسكه هو ببقاء علاقتهما... لست أدري، لكن إحساسا يراودني بأن المسألة لن تنتهي بتلك البساطة!
كانت بضعة أيام قد مضت على مصارحة راوية لي بحقيقة قصتها... و استمرت نقاشاتنا طويلا... و كانت النتيجة التي نخرج بها في كل مرة هي ضرورة قطعها العلاقة مع الشاب في أقرب فرصة ممكنة. لكنه استمر يتصل بها يوميا لمناقشة الكثير من المواضيع حول الإسلام... ثم مكنّها من بريد صديقته الالكتروني حتى تتفقا على موعد للقاء.
وصلت إلى الكلية باكرة اليوم، كما طلبت مني راوية. و جدتها تقف في انتظار و علامات القلق واضحة على وجهها. سارعت إلي و هي تهتف :
ـ سألتقي بصديقته اليوم!
ابتسمت و أنا أخفف عنها قائلة :
ـ و لم كل هدا القلق؟ سنتحدث إليها في هدوء و سنرى كيف ستستقبلنا!
صمتت راوية للحظات ثم قالت في حزن :
ـ حاولت البارحة أن أخبره بأنني لن أستطيع محادثته ثانية بعد اليوم... قلت بأنني سأكون مشغولة جدا الفترة المقبلة و لن يتسنى لي أن أدخل على شبكة الإنترنت... فطلب مني رقم هاتفي حتى يطمئن علي بين الحين و الآخر!!! إنه لا يفهم!
هززت رأسي علامة عدم الموافقة :
ـ عليك أن تحدثيه مباشرة! فهو الآن مسلم و عليه أن يعرف خلق الإسلام! يجب أن يعلم أن الفتاة المسلمة لا تتحدث مع الشباب الأجانب عنها بكل حرية... و أن مهمتك معه انتهت!
ابتسمت راوية و قالت مؤكدة :
ـ نعم علي أن أكون أكثر صراحة و أخبره مباشرة... على أية حال هو طلب مني أن نتحدث بعد لقائي مع صديقته كي أوافيه بردة فعلها... إن شاء الله ستكون المحادثة الأخيرة!
بعد المحاضرات، توجهنا إلى المكتبة مباشرة... فقد كان موعد راوية مع الفتاة المسيحية سارة هنالك. إنها تكبرنا بسنة واحدة، لدا فإن محاضراتها تكون في المبنى المقابل للمكتبة... انتظرنا لبضع دقائق، و راوية تتململ في قلق و ما لبثنا أن لمحنا فتاة تقترب من مبنى المكتبة في خطوات بطيئة. نظرت إلينا في تردد ثم وقفت غير بعيد عنا... نظرنا إليها بدورنا و همست إلى راوية :
ـ أليست هي؟
هزت راوية كتفيها قائلة :
ـ ممكن! لم أرها سابقا... و لا حتى صورتها... فقد راسلتها على البريد الالكتروني و حسب...
كانت فتاة رشيقة، طويلة القامة، أقل ما يقال عنها أنها جميلة... خاصة و شعرها الطويل السبط المسترسل يغطي كتفيها و ظهرها. كانت تتلفت حولها في قلق، و في كل مرة يصل بصرها إلينا تصرفه بسرعة.
جذبت راوية من ذراعها و توجهنا نحوها. ظهرت على ملامحها الدهشة حين اقتربنا منها مبتسمتين و بادرتها قائلة :
ـ أنت الآنسة سارة من الصف الرابع... أليس كذلك؟
هزت رأسها موافقة و هي تنظر في حيرة إلى الفتاتين المحجبتين اللتين و قفتا إزائها... كأنها تقول في نفسها : ماذا تريدان مني؟
لم تكن راوية قد أخبرتها حين راسلتها بأنها مبعوثة من طرف جاد صديقها الذي أسلم، فقد خشيت أن ترفض لقاءها مباشرة إن هي علمت، لأنها كانت رافضة للحوار في مسألة الدين!
ابتسمت راوية في هدوء و هي تقول :
ـ أكيد أنك تستغربين و تتساءلين عن سر هاته المقابلة... و الحقيقة هي أن جاد طلب مني أن أتحدث معك...
أشاحت بوجهها في حدة و قد فهمت كل شيء في لحظة واحدة. لكن راوية سارعت تتدارك الموقف و هي تهتف :
ـ أرجو أن لا تستعجلي بالحكم علي، فأنا لست هنا لمحاولة إقناعك بتغيير دينك... و لكنني أدعوك إلى فتح باب الحوار... و إن لم يعجبك قولي فأنت حرة في اتخاذ القرار الذي ترينه مناسبا...
نظرت إليها فجأة و قد اغرورقت عيناها بالدموع و هتفت :
ـ لماذا لا تتركوننا بسلام؟ هل أنت سعيدة الآن بعد أن نجحت في إقناع جاد بدينك؟؟
كانت تشير إلى راوية بإصبعها كأنها تتهمها! تراجعت راوية خطوة إلى الوراء أمام الرد العنيف الذي وجدته من سارة و لوحت بكفيها في اعتراض :
ـ لا تنسي أن جاد هو من طلب التعرف على الدين الإسلامي... و ما فعلته هو أنني مكنته من المواد اللازمة للبحث و المقارنة... و قد اتخذ قراره بملء إرادته لأنه اقتنع بأن الإسلام هو الدين الحق! لكن هذا لا ينفي أنني سعيدة بإسلامه... فنحن نفرح لكل من يهتدي...
لم تنخفض الحدة في صوت سارة و هي تقول مجددا في تهكم واضح :
ـ و ماهي خطوتك الموالية؟ أين وصلت تطورات علاقتكما؟!
احمر وجه راوية من الانفعال و هتفت :
ـ ما الذي تقولينه يا هذه؟! أنا لم أساعده طمعا فيه و لم يكن في نيتي أن أفرق بينكما... و اطمئني إلى أنني سأقطع اتصالي به اليوم، بل حال أن أبلغه ردك! و ليكن في علمك يا عزيزتي أن الفتيات المسلمات لا يتهافتن على الرجال و لا يخطفنهم من غيرهن! فذاك ليس من خلق الإسلام!!!
كانت سارة قد هدأت قليلا و أطرقت إلى الأرض لبضع لحظات قبل أن تنفجر باكية فجأة، مثل طفلة فقدت لعبتها و هي تهمهم من بين دموعها :
ـ إذن هنت عليك يا جاد... فتركتني! نسيت كل ما كان بيننا بسهولة... ما الذي فعلته حتى أستحق منك عقابا كهذا؟!
أجابتها راوية في تأكيد و هي تقول :
ـ جاد لم ينسك! أبدا! بل هو يريد أن تجتمعا على الحق... بعد أن عرف أنه قد ضل الطريق في السابق... و هو لا يريد لك أن تضلي أكثر من هذا... لذا فهو يدعوك إلى الاطلاع على ما غير حياته... و هو بالتأكيد سيغير حياتك أنت أيضا! المهم هو أن تفتحي قلبك و عقلك و...
قاطعتها سارة فجأة و قد مسحت دموعها و استعادت رباطة جأشها :
ـ اسمعي... أخبريه بأنني قادرة على شق حياتي بدونه... و أنني لن أتنازل على أهدافي في الحياة لمجرد أنه تنازل! من الآن فصاعدا كل منا سيسلك الطريق المناسب له... و لا أريد منه أن يحاول الاتصال بي ثانية و لا أن يرسل إلي أيا كان...
أردفت راوية في محاول يائسة لتهدئتها :
ـ خذي وقتك لتفكري... و...
قاطعتها ثانية في لهجة صارمة و قد أحست بأنها أرتنا من ضعفها الكثير :
ـ لا مجال للنقاش! هذه هي مبادئي و هذه هي حياتي! و لن أغفر له أبدا إن عاد يعظ أصابع الندم بعد حين!
تنهدت راوية في يأس ثم انصرفنا و قد منيت مهمتنا بفشل ذريع...
سرت مع راوية إلى منزلها... فقد طلبت مني أن أكون إلى جانبها حتى أشجعها و لا تتراجع عن إخبار جاد بضرورة قطع العلاقة... خاصة أنه كان ينتظر اتصالها حال رجوعها من المقابلة مع سارة...
و ما إن دخلنا غرفتها و فتحت الحاسوب حتى وجدت رسائل عديدة منه يسأل عنها و يستعجل اتصالها حال وصولها. تبادلنا نظرات طويلة في حيرة. فهما كانا قد اتفقا على موعد محدد و هي لم تتأخر عنه!
كان جاد على الخط، فسارعت بإلقاء السلام عليه...
اقتربت من الشاشة لأقرأ ما يكتبانه :
ـ أخيرا وصلت... كنت في انتظارك
ـ ألم نتفق على الساعة السادسة؟
ـ نعم، نعم، لكنني أردت أن أشكرك...
ـ لقد تحدثت مع سارة اليوم
ـ لم أقصد سارة
ـ إذن ماذا؟
ـ وصلني طرد منك اليوم... و أنا الآن أتناول تلك الحلويات اللذيذة!
تضرج وجه راوية و أنا أوجه إليها نظرات فاحصة :
ـ حلويات يا راوية؟ أمسكتك متلبسة! إذن فالحلويات التي اشتريناها تلك المرة كانت من أجله!!!
ابتسمت راوية في خجل و قالت :
ـ ألم أقل لك أنني أرسلت إليه هدية إسلامه؟ كانت مكونة من مصحف و بعض الكتب الأخرى... إضافة إلى الحلويات...
انتبهت إلى أنه كان لا يزال يتحدث إليها :
ـ و أشكرك جزيل الشكر على الكتب... فقد اخترت حقا ما أنا في حاجة إليه الآن!
ـ الحمد لله أنها أعجبتك...
كانت الحيرة بادية على راوية... كيف ستتطرق إلى الموضوع؟!
ـ تحدثت إلى سارة منذ قليل
ـ أخبريني أولا، كيف تسير الدراسة معك؟ آمل أن لا أكون آخذ من وقتك الكثير. فقد قلت البارحة بأنك مشغولة...
ـ لا بأس، الدراسة بخير
ـ الحمد لله... الحقيقة كنت أود محادثتك في موضوع مهم
ـ ألا تريد أن تعلم ما قالته سارة أولا؟
ـ أعلم أنها لن تقتنع من المحادثة الأولى. لكن أرجوك واصلي المحاولة معها. سأترك لك المهمة تماما. أخبريني حين تتوصلين إلى نتيجة ما...
نظرت إلي راوية و قد تبدت علامات الحيرة و الدهشة في عينيها، لكنني لم أكن أقل دهشة منها فكتبت بسرعة :
ـ لكنها أرسلت إليك ملاحظة شخصية... و كان من الواضح أنها متأثرة لأنك تركتها
بدا أنه تردد طويلا قبل أن يكتب عبارته الموالية
ـ راوية... سارة لم تعد تعني لي الكثير... و إن كنت حريصا على إسلامها فلأنني أرى فيها خيرا كثيرا من الممكن أن يسخّر في خدمة الحق بدل أن يذهب هباءا منثورا
التفتت إلي راوية و هي لا تدري إلى أين ستسير هاته المحادثة... لكن وجهها كان قد اكتسى اصفرار... و كنت أكاد أسمع دقات قلبها المتسارعة.
<<< تـابعـــــــــــونا غدا باذن الله >>>