داود سلمان الشويلي
عدد الرسائل : 124 العمر : 72 المدينة : العراق المهنة : كاتب الهواية : الكتابة الدولة : العراق السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 16/08/2011
| موضوع: ايام لا تنسى الجمعة ديسمبر 28, 2012 12:13 pm | |
| ايام لا تنسى
ما يشبه المذكرات
الولادة والطفولة والصبا
داود سلمان الشويلي
الناصرية مدينة هادئة تقع على الضفة اليسرىلنهر الفرات ، وعلى التخوم الجنوبية لصحراء واسعة تمتد حتى تلتقي بالصحراءالسعودية . وهي مدينة انشإت نهاية القرن الثامن عشر بعد ان تم الاتفاق بين الواليالعثماني في بغداد في ذلك الوقت وناصر باشا السعدون لاجل توطين القبائل الرعويةالمتنقلة في العراق ، وبعد ان استشار ناصر اخوته حول ذلك طلبوا منه انشاء هذهالمدينة في منطقة يمكن ان يغرقوها بمياه الفرات لو حاولت الدولة الهجوم عليهم ،فإختار الموقع الحالي للمدينة القريب من (روف) ابو جداحة. (1)
في هذه المدينة ولدت .
كما يذكر دفتر النفوس الدفتري القديم ، اننيولدت عام 1952 م، ولا اعرف ان كان هذا التاريخ صحيح ام لا ، في منطقة السراي في زقاق يقع علىالجانب الايسر لنهاية شارع الحبوبي (عكد الهوة)(2) في بيت (البناء) حسن هندية –كما تذكر والدتي رحمها الله – وبعدها انتقلت عائلتي الى بيت مبني من القصبوالبواري (3) في ارض خاصة للحاج موسى الهايس – وهو ابن عمة والدي – وكان يشاركناالبيت ابن عمتي الحاج مهدي ووالدته المتوفى عنها زوجها (4) وزوجته ، ولا اذكر منهذه الايام سوى ذكرى غائمة عن جرح قدمي بواسطة بقايا قنينة زجاجية لمشروب(السيفون)الذي كان يبيعه الشاب المعوق (دحام) في الشارع الذي نسكن فيه .
في عام 1955 وبعد ولادة اخي مالك انتقلنا الىدارنا الجديدة التي اشترى والدي وابن اخته الحاج مهدي ارضها وتم بناء صريفتين منالبواري والقصب ، واذكر انني كنت ارافق والدي عندما كان يبني الواجهة الطابوقيةللبيت . وكان مكانه في الشارع الاخر لشارع ثورة العشرين بالقرب من بناية ماكنةانتاج الطاقة الكهربائية للمدينة التي كانت تعمل بالديزل وكان صوت محركاتها عالياولا يدعنا ننام . (5)
******
كان والدي- رحمه الله - يتيم الاب و وحيد امه بين فتاتين ، هما زهرة –ام مهدي - ، وروبية – ام صادق – وعرفت من خلال بعض الاحاديث المتفرقة التي كانيروي فيها والدي بعضا من جوانب حياته عندما كنت اسأله ، انه عمل صبيا في صناعةالكعك ، وعامل بناء . وفي يوما ما جاء بإجرته اليومية الى امه وكانت بالقرب منهاجارتهم – وحسب اعتقاده انها كانت تحسد – فقالت المرأة لامه انها عندها ولد يأتي بالنقود، وعندها كما يقول رحمه الله حس بحكة براحة يديه ، وبقيت هذه الحكة الى ان مات –رحمه الله – وكانت راحتي كفيه تتورمان بين فينة واخرى .(6)
عدنما اصبح شابا ذهب الى البصرة للعمل فيمعسكرات الانكليز ، وهناك تعرف على خالي وعائلته ، ثم اخذ يعمل في البناء ، وكانتوالدتي رحمها الله متزوجة من ابن عمها ومطلقة منه ، فتعرف عليها والدي وتزوجهاوجاء بها الى الناصرية ، فولدت طفلين – ذكر وانثى – ماتوا وهم اطفال ، بعدها ولدتشقيقتي نظيرة – رحمها الله – ثم ولدتني ، وبعدها ولدت شقيقتي اطال الله في عمرهااميرة ، ثم جاء شقيقي مالك ، ومن بعدها جاء عمار الذي توفي عندما كان صغيرا .
على جلدة رأسي ورأس شقيقتي نظيرة – رحمهاالله – اثار (كي) ، ذكر لي والدي ووالدتي- رحمهما الله – اننا مرضنا بالتايفوئيدوعندما ارسلونا الى الطبيب اليهودي الوحيد في الناصرية نصح والدي ان يرسلونا الىمن يكوي رأسنا بالعطابة .
اذكر من تلك الايام ان والدي كثيرا ما كانيأخذنا لمشاهدة بعض الافلام السينمائية في سينما الاندلس القريبة من المقهى التيكان يجلس فيها ، وايضا- في الليالي التي لم يأخذنا والدي الى السينما - كان ابنعمتي الحاج مهدي يرافقنا ليليا الى المقهى التي كان يجلس فيها والدي ليأخذنا منهناك الى دار السينما .
ومن ذكريات تلك الايام الخوالي ، وعندما كنتفي نهاية الدراسة الابتدائية او بداية الدراسة المتوسطة ، اجبرت والدتي – رحمهاالله – ان تعطيني مبلغا قدره (6. فلس) للذهاب الى دار سينما الاندلس لمشاهدةالفيلم الهندي الجديد (سنكام) وكان فيلما طويلا بحدود اربع ساعات(7) ، وقد جاء معهمندوبين من شركة الاستيراد من بغداد كي يراقبوا عرضه في السينما كاملا ، وبعدانتهاء عرض الفيلم خرجنا – وكان الفصل شتاء- وقد اظلم الجو ، وعندما وصلت الىبيتنا ضربت بكف يدي على شباك غرفتنا المطل على الشارع – اشارة للذي داخل الدارليفتح لي باب الدار – فسمعت والدتي تصيح : اشرد ابوك اجاك .
فتركت النعال في الشارع ورحت اركض ووالدي بيدهالحزام الجلدي يتبعني لضربي لتأخري عن البيت ولاجبار والدتي على اخذ النقود ، في الشارعواجهني جاري – ابو حميد رحمه الله – فاختبأت خلفه ، فطلب من والدي ان يتركني ،وذهبت مع ابي حميد الى داره وبعد دقائق ارسل والدي بطلبي .
وكذلك من ذكريات تلك الايام ، ان والدي كانيمتلك دراجة هوائية لتوصله الى اماكن عمله ، وكنت انا وشقيقتي – ام حيدر رحمهاالله – نخرجها الى الشارع عندما كان يتركها في البيت ، لاقوم ان بركوبها ، وتقومشقيقتي بمسكها لكي لا اقع ثم تدفعني ، وفي احد المرات دفعتني شقيقتي قويا ، فراحتالدراجة تسير بي وبعد فترة لم استطع السيطرة عليها فوقعت بي الى الارض وانكسر(البايدار) فجئنا بالدراجة الى البيت وكأن شيئا لم يحدث ، بعدها ذهبنا الى دار ابنعمتنا الحاج مهدي وجلسنا بالقرب من عمتنا العمياء ، فسألتنا ان كان هناك قد حدثشيء ما ، لاننا لاول مرة نأتي بمثل هذا الوقت فأخبرتها شقيقتي بما حدث ، في هذهالاثناء عاد والدي الى البيت وعرف بأمر الدراجة من خلال رؤيتها في مكانها في الممروقد كسرت ، فسأل والدتي وعرف ، عندها جاء الى بيت اخته ، فطلبت عمتي مناان نختبيءتحت السرير ، وطلبت من والدي ان لايضربنا لان الوقت ليلا (ولا يصلح الضرب بالليل )، وهكذا تخلصنا من هذه المشكلة.
******
اذكر انه في تلك الايام وفي ليلة التاسع علىالعاشر من شهر محرم (عاشوراء )، كنت انا واترابي من ابناء الجيران نستعد للسهر فيهذه الليلة ( يسمى السهر بالحجة) وذلك بشراء السيكاير (يسمح لنا الاهالي بالتدخينفي مثل هذه الليلة من كل عام) والكعك ، وكنا – على شكل مجموعات – ندور في الشارعراكضين وبيدنا الاعلام السوداء ونحن نهتف بأقوال نمجد الامام علي وابنه الامامالحسين ، وبعد منتصف الليل نذهب الى الروف القريب من دارنا لنرى منظرا بانوراميا –كما يتصوره خيالنا - لاشخاص ومعارك تدوربينهم ، حتى يبدأ الفجر الاول بالظهور فنذهب لرؤية مواكب ضرب القامة .
بعد ان تزوجت شقيقتي في محلتنا السابقة –السراي – تعرفت على ابناء المحلة ، مثل : عبد علي شقيق زوج شقيقتي ، صاحب انتيشه (مدرساللغة الانكليزية فيما بعد)، دعبل ( الان هو الدكتور البيطري امير طالب ويسكنبغداد) وابناء عبد السادة ، والكثير من الصبيان الذين لا اتذكرهم بعد هذه السنوات،وكنا في ايام عاشوراء نذهب الى منطقة الصابئة ضمن تجمع ونحن نهتف (موتواقهر يا كفار علي بالجنة مختار ) ، ثم نذهب الى احد الدور التي تسكنها عائلة من المذهب السني ونحن نصيح (موتوا قهر ياسنه علي بالجنه النا) ، واذكر انه خرج الينا رب العائلة وقال لنا : نعم هو لكم ،واذهبوا عنا .
--------------
الهوامش:
1-روف ابو جداحة = أي السدة الترابية اليسرىلنهر الفرات،وسميت بـ ( ابو جداحة) لانها كانت تقدح الماء (الجريان بسرعة) بسرعةعند زيادة مناسيبه في نهر الفرات مكونا الفيضان . وقد حدث مثل هذا الفيضان بعدولادتي اكثر من مرة ، وقد وصلت مياه الفيضان الى السدة الترابية لنهر اشطيط – حفرهذا النهير الصغير شمالي المدينة لمنع مياه الفيضان عن المدينة ، ولتصب به مجاريالمياه الاسنة ، وليكوّن ما اخرج منه من تراب سدا بوجه المياه – في منطقة احياءالصالحية وسومر واريدو والبكر واور، المنطقة التي كانت تسمى قرية فرحان .
2-تتحدث الروايات عن هذه التسمية انها جاءت بسبب عرض الشارع الواسع – نسبة لاتساعالشوارع- وانه كان مزروعا بالاشجار بصفوف جانبية ووسطية ، وكان جوه في حر صيفالناصرية منعشا ، والبعض يقول ان التنظيم الجيد لهذا الشارع جعله مكانا لمواعيدالمحبين والسير فيه للتنزه . وسمي بعد ذلك على اسم الشاعر والمرجع الديني النجفيمحمد سعيد الحبوبي الذي كان احد قواد الجهاد في معركة الشعيبة ضد القواتالانكليزية التي دخلت العراق اثناء الحرب العالمية الاولى ، وقد اصيب في هذهالمعركة ونقل الى بيت العضاض – كما تذكر بعض الروايات حول ذلك – الذي يقع في هذاالشارع قرب القيصرية ، وتوفي فيه .
3-البارية = الواح القصب المضفورة على شكل سجادة .
4- عرفتبعد ذلك واثناء وفاتها في الثمانينات – رحمها الله – عندما سأل الدكتور المنظملشهادة الوفاة ابنها الحاج مهدي عن حالتها الاجتماعية فأخبره انها مطلقة .
5-تركتهذه المحطة ( كانت تسمى مكينة) بعد انشاء محطة الطاقة الكهروحرارية من قبل الروس،واصبحت كراجا ومخزنا للبلدية ودائرة الدفاع المدني (الاطفاء) .
6-قضية الاعتقاد بالحسد منتشرة بين عامة الناس ، وهناك صور جدارية تركز هذا الاعتقاد، اذ تبين الصورة عينا مرسومة داخل كف ، وتحت العين اية قرانية ، سورة الفلق:
(( *قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات فيالعقد * ومن شر حاسد إذا حسد )) ، وكانت هذه الصورة معلقة على جدار غرفتنا . ويرويالعامة من الناس ان الكف في الصورة هو كف النبي محمد عندما حسد .
7 –كانت بطاقة الدخول الى السينما اربعين فلسا ، ولكون هذا الفيلم طويلا جدا زاداصحاب السينما من سعر البطاقة .
---------------------------------
2
ايام لا تنسى
ما يشبه المذكرات
الحظ
داود سلمان الشويلي
تنوعت آليات معرفة الحظ ، او قراءة الطالع ،او كما جاء بالمفهوم المعاصر للمصطلحات "قراءة المسقبل " ، وكان الذييقوم بمثل هذه الاعمال يسمى الكشاف والكشافة ،فكانت هناك آليات تستخدم جسيماتصغيرة كالمحار والخرز والحصو واشياء اخرى في القراءة وتسمى هذه الآليةبـ"الطش= النثر" ويسمى الذي يقوم – او تقوم – بممارسة هذه الآلية بـ" الطاشوش او الطاشوشة"(1) ، وهناك– كالنساء مثلا- من تستخدم الذراع والكف " لقياس الحظ (!)(2)او معرفة الطالع، اذ تقوم الممارسِة بوضع اصبع الابهام لليد اليمنى في مكان مرفق اليد اليسرى منالداخل ،ثم تمد الكف الى نهايات اطراف اصابع اليد اليسرى ، فإذا تطابق طول الكفاليمنى – من طرف الابهام الى طرف الاصبح الصغير- مع طول الساعد الى نهايات اطرافالاصابع فإن المحاولة تعاد ، واذا قصر فإن النتيجة سلبية ،والعكس صحيح بالنسبة لمنيريد ان يعرف طالعه . وهناك من يستخدم السبحة لمعرفة "الطالع ،البخت" .ومن هذه الآليات ايضا قراءة الكف .
وفي الستينات وبداية السبعينات من القرنالماضي خرجت علينا مطابع بيروت بكتيباتصغيرة تعلم الشباب شتى الفنون :كالضرب على آلة الطابعة ، وتناقل الافكار ،وقراءةالكف ...الخ ، وكنت حينها(3) مغرما بقراءة الكتب ، فإبتعت هذه الكتيبات، ولكنني لماتعلم منها شيئا سوى انها افادتني في معرفة بعض الاسرار .
******
مرة – كنت وقتها في الصف الثالث متوسط – كنتجالسا على احدى المساطب الخشبيةالتي كانت منتشرة على الرصيف المحاذي لضفاف نهرالفرات في مدينتي الناصرية مساءا ، جلس بالقرب منى شاب عمره في منتصف العشرين،يحمل في يده حقيبة يدوية جلدية كتب عليها " قارئ كف " ،وبعد ان سلم عليسألني إن كنت اسمح له بقراءة كفي ، فرحت لهذا الطلب وسلمته كف يدي اليسرى كما اراد، وتحت ضوء مصباح الشارع راح يشرح لي ما تعنيه خطوط الكف ، بعدها راح يقرأ كفيومما قاله :
انني ساتزوج باكثر من إمرأة (4)، بعدها عرجالى الخطوط القصيرة في اسفل كفي ، وبتمعن دقيق اخبرني انني سانجب اربعة ابناء ،الا انه لم يحدد جنسهم (5) ، ثم وهو ينظر الى خطوط كفي جميعها اخبرني: ان السفربالبحر خطر علي ّ، وحذرني منه (6) .
هذا كل ما قاله لي ، فهل كان صادقا فيما قاله؟!
---------------
الهوامش:
1-كانت هناك امرأة تقوم بذلك ، اضافة لبيع بعض الحلويات للصغار امام باب دارهابالقرب من بيت الحاج ناصر في الشارع الذي يقع خلف مدرسة الناصرية الابتدائية ،وكانت والدتي يرحمها الله عندما تذهب يوميا للتسوق - كانت بسطة هذه المرأة فيطريقها - تكشف طالعي عندها وذلك بسؤالها : هل داود يتزوج الفتاة التي يحبها ام لا؟ وكانت المرأة بعد ان تنثر الاجسام الصغيرة التي كانت تحتفظ بها في كيس قماشيصغير ابيض اللون تقول : نعم سيتزوجها ، وكانت امي رحمها الله تفرح لهذا الخبر وبعدان تمنحها درهما واحدا تأتي لتزف لي الخبر، وكنت كثيرا ما اغضب لذلك واطلب منها ان تحتفظ بالنقود لان المرأة دجالة ،الاانها لم تقبل بكلامي وترد علي بقولها انها امرأة معروفة بصدق ما تقول .
- لم اتزوج تلك الفتاة .
2-كانت احدى العجائز من معارفنا – وهي ام محسن وكريم العمال الذين يعملون مع والديفي البناء- تمارس هذه الطريقة وكثيرا ما كانت تبشرنا بالنجاح انا وشقيقاتي عندماكنا طلاب في الدراسة الابتدائية ، الا ان شقيقتي الكبرى المرحومة ام حيدر لم تكملالدراسة الابتدائية بسبب رسوبها ، واما شقيقتي الصغرى فقد ادامت البقاء في الصفالثالث الابتدائي حتى تركت الدراسة .
3-كنت وقتها في الدراسة المتوسطة في النصف الثاني لستينات القرن الماضي.
4–وانا اكتب هذه السطور ، اصبت بجلطتين ادتا الى شبه شلل نصفي في النصف الايمن منجسدي ، علما انني لم اتزوج سوى مرة واحدة ولم يكن في نيتي الزواج من اخرى .
5-لي من الابناء تسعة ، ابنتان وسبعة اولاد .
6-لم ار البحر طيلة حياتي الا من خلال نافذة الطائرة ، ولم ادعى للسفر بحرا ، وانماكانت جميع سفراتي الى بعض الدول العربية والدول الغربية جوا ، اذ سافرت الى:الاتحاد السوفيتي ، اليونان ، فرنس ، ايطاليا ، المانيا الشرقية ، يوغسلافيا ، جيكوسلفاكيا،بولونيا ، هنكاريا،الاردن ، اليمن ، سلطنة عمان ، السعودية ، مصر،اما سفرتيللكويت و سوريا فكانت براً .
10/2007
| |
|