أقدم لكل من يهمه الأمر أو من محبي المعرفة والاستطلاع محاضرات في وحدة اللسانيات العامة مختصرة ومنقحة أرجو أن تنال رضاكم وفي آخر محاضرة أطلعكم على المراجع المعتمدة.
المحاضرة الأولى
إن اهتمام الإنسان بظاهرة اللغة البشرية تمت منذ القدم ويتبين هذا الاهتمام في نتائج الدراسات الانتروبولوجية اللغوية ، والآثار المكتوبة والمنقوشة منذ آلاف السنين.
1- الدراسات اللسانية قبل ظهور اللسانيات :
يعود سبب اهتمام الإنسان بالظاهرة اللغوية إلى رغبة في حفظ الكلام وتخزينه لأن أحداث الأصوات تندثر في الهواء ولا يمكن للإنسان استرجاعها . فأبدع الإنسان النقوش والترميز لتبليغ وإرسال محتويات لغوية إلى مناطق مختلفة عن موقعه وفي أزمان غير محددة و متباعدة . وكانت هذه المبادرة منهلا للتفكير في رسم الكلام. وهذه الفكرة تعتبر اختراعا عظيما للبشرية فمحتوياتها وتقنياتها عملية تكنولوجية لأنها وسيلة لالتقاط الأصوات في شكلها التتابعي وسميت هذه العملية برسم الكلام أو الكتابة_ الكتابة هي تصوير الأصوات في خط وهي لا تعبر عن حقيقة النظام اللغوي بتاتا_ فكانت الكتابة الوسيلة الوحيدة لتخزين الكلام وحفظه .
وهذا الانتباه الذكي لفكرة رسم الكلام في أشكال خطية , تبقى مدوناتها لآلاف السنين تعبر عن تفطن الإنسان للخواص اللسانية التالية :
- خطية الدوال اللغوية .
- مقطعية الأصوات.
- مفهوم التتابع الصوتي.
- قطع نهاية الوحدات المعجمية عن بعضها.
- ابتداء مفهوم الوحدة ونهايته.
- مراتب الكلمات.
هذه الممارسة العلمية وظيفتها استرجاع المحفوظ في أي وقت أو مكان.
وأول تراث إنساني وصل إلينا يقوم بعملية وصف اللغة بطريقة علمية هي الدراسات اللغوية الهندية التي وصفت باللغة السنسكريتية. ومنذ تلك الحقبة بدأت الأعمال التي تهتم بدراسة اللغة تظهر في مجتمعات متعددة منها اللاتينيين و الرومان والعرب وقد اختصت كل أمة بدراسة موضوع علم اللغة بمنهج معين حتى بداية القرن الثامن عشر , ومنذ مطلع هذا القرن تميزت دراسة الظواهر اللغوية في ميزتين :
1- الاهتمام بمنهج دراسة الظواهر اللغوية.
2- توجيه موضوع الدراسة اللغوية نحو أغراض سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية .
وأهم المناهج التي ظهرت المنهج التاريخي وهو الدراسة التطورية للوحدات المعجمية أو الفيلولوجيا المقارنة التي كانت الأساس الذي انطلقت منه الدراسات اللسانية في بداية القرن العشرين .وكانت الخلفية الأبستمولوجيا لهذه الدراسات هي المعيارية المنطقية التي لم تخرج على أساس العلاقات العامة في المنطق الصوري والملاحظ على مجال الدراسات اللغوية في هذه الفترة أنها لم تخرج عن التوجيه القرامطيقي للغة _ إن الدراسات اللغوية عند العرب لا تتدخل في مجال هذا الحكم_
وليس ببعيد عن هذه الفترة بدأت تظهر بوادر الدراسات اللغوية بمفهومها الحديث في مناطق متعددة من العالم كما ظهرت تطبيقات تجريبية على الظواهر اللغوية التي لها صلة بالفيزياء أو علم التشريح أو المنطق.
2- البوادر الأولى لظهور المصلح :
إن مصطلح Linguistique ( اللسانيات أو علم اللسان ) في الثقافة الغربية ظهر استعماله أو مرة في عام 1833 وقد استعمل في 1816 من قبل فرنسوا رينيوار François Raynouard في كتابه des troubadour chois des poésie.
واستخدمه سوسور بشكل ملفت في محاضراته والمقصود باللسانيات هنا أو Linguistique هو العلم الذي موضوعه اللغة شرط إتباع المناهج العلمية التجريبية أو المنطقية التجريبية في دراسة ظواهره, أما مصطلح علم اللسان في الثقافة اللغوية الحديثة هو الدراسة العلمية للغة ويقصد بالعلمية هنا دراسة اللغة بواسطة وسائل الفحص والملاحظة للظواهر اللغوية وإمكانية مراقبتها لوسائل المنهج التجريبي في نظام وسائطي لنظرية عامة تحدد البنية اللغوية منطلقا لها. ........... يتبع