المدير .
عدد الرسائل : 720 العمر : 47 المدينة : https://birelater1.mam9.com المهنة : اعلام الي وبرمجيات الهواية : الرياضة الادب العربي الشعر والسياحة الدولة : الجزائر السٌّمعَة : 14 تاريخ التسجيل : 18/02/2009
| موضوع: فلسفة التاريخ الخميس ديسمبر 10, 2009 2:08 am | |
| فلسفة التاريخ
المحاضرة الأولى الأكاديمية العربية الحرة في الدانمرك 3/10/2007
تقسم المحاضرة إلى قسمين أساسيين :
الأول : ويبحث في مفاهيم أولية ويطرح العديد من الأسئلة : ـ هل هناك معنى للتاريخ ؟ ـ الإشكالية . ـ أولا الأشكال المختلفة لكتابة التاريخ. ـ ثانيا فلسفة التاريخ. ( بشكل مبسط و أولي). ـ رابعا انتقادات لهذه المفاهيم لفلسفة التاريخ.
الثاني : هو محاولة لأعادة بناء الأسس العلمية لفلسفة التاريخ ويضم :
أولا ـ فلسفة العالم " الكون" الحالية، عدم الاستقرار وتطوره. ثانيا ـ التفسيرات المختلفة للتاريخ. ثالثا ـ إعادة القراءة العلمية للتاريخ. رابعا ـ العناصر التي تخلق و تنتج التاريخ. خامسا ـ العناصر أو العوامل الجديدة للتاريخ.
هل هناك معنى للتاريخ ؟ يوجد مفهومان للتاريخ : 1ـ تشير إلى الماضي كما تمت الحياة فيه من قبل كل البشر أو الإنسانية. 2ـ معرفة التاريخ.
أما عندما نقول "مفهوم" التاريخ فماذا نقصد هنا بكلمة "مفهوم" ؟ 1ـ المعنى : أي الوضوح و المعقولية، أي ألا يكون عبثيا. 2ـ أن يكون هناك اتجاه، أي الاتجاه نحو أشياء معينة محددة. 3ـ نقطة نهاية ، أو غاية واضحة.
الإشكالية : إذا علينا أن نتساءل إذا كان التاريخ بمعنى الحقيقة التاريخية ( المفهوم الأول) لديه معنى، في نفس الوقت إذا كنا نستطيع فهم هذه المعنى، و إذا كان هذا المعنى للتاريخ كلا متلاحما متماسكا، أو متجها نحو طريق معين ولغاية دقيقة. ثم نتساءل عن التاريخ بمعنى معرفة الماضي. بالتالي إنه فيما يتعلق بالتاريخ بمعنى "الحقيقية التاريخية" السؤال يطرح. عمليا، إذا فتحا كتابا تاريخيا، فنحن لا نقول أنه رطانة أو كلاما بلا معنى، ولكنه خطابا واضحا ومعقولا، عقلانيا..الخ. التاريخ بمعنى"معرفة الماضي" يعطينا بشكل مباشر معنى ( وضوحا وعدم عبثية) لهذا الماضي. و السؤال عن معرفة إذا كان التاريخ بمعنى معرفة الماضي لديه معنى لا يظهر أنه ملائما.
إذا قبل كل شيء حول التاريخ بمعنى الحقيقية التاريخية علينا السؤال والاستفهام. هنا نكون قد تحدثنا عن المعنى الثاني والثالث لكلمة "مفهوم ". فهل التاريخ بمعنى الحقيقية التاريخية له معنى ؟ وهذا السؤال يمكن أن يمتد كالتالي : هل تاريخ البشر ليس إلا تاريخ لانفعالاتنا و أهوائنا، للعنف و الحروب ؟ هنا، الموضوع له دلالة أخر هي الدلالة الأخلاقية، أي معرفة إذا تاريخ البشر عليه أن يحملنا للقول أن الإنسان هو سيء. وهل علينا أن نيأس من الإنسان في التاريخ ؟
و أيضا، هل نستطيع بكل بساطة أن نقول أو نتساءل إذا كان للتاريخ اتجاه معين، أو أن موجه لغاية أو لهدف. وهنا، سنلتحق بالسؤال السابق : لأنه إذا نبحث لإعطاء مضمون لهذه الغاية أو الهدف للتاريخ، نستطيع أن نعتبر بقوة أن غاية التاريخ هي أخلاقية، وهو تقدم أخلاقي للإنسان. وهو سيكون معنى التاريخ هو تحقيق جوهر الإنسان أي تحقيق الجانب الأخلاقي.
أولاـ الأشكال المختلفة لكتابة التاريخ : 1ـ التاريخ الأصلي أو الأساسي و تحتاج هذه الطريقة إلى ( وعي فوري أو عفوية وموضوعية).تعرف هذه الطريقة بوصف التاريخ المعاش من خلال شهود مباشرين يعيشون في العصر أو الحقبة التي حصلت فيها الأحداث ( هيرودوت ، ثيوسيديد). 2ـ التاريخ المفكر فيه. أو (فصل الأمور عن بعضها بقدر ذهنية عقلية). تعرف بأنها إعادة بناء الماضي من أجل محاول عيشه مرة أخرى بشكل عقلي، وتحتاج هذه الكتابة إلى جمع ملفات كبيرة للعمل عليها. وهذا النوع الثاني من الكتابة يقسم بدور لعدة أقسام : أـ تاريخ بلد أو العالم بأكمله. ب ـ التاريخ البراغماتي، والهدف منه الاستفادة من دروس أخلاقية واستخلاص قواعد من هذا التاريخ. ج ـ التاريخ النقدي، هدفه التحقيق و التفتيش حول الماضي والملفات التاريخية. د ـ التاريخ الخاص، كأن نقول كتابة تاريخ الفن ، الدين، الخ.
ثانيا ـ فلسفة التاريخ. 1ـ تعريف : فلسفة التاريخ هي فكرة تاريخ لديه مسيرة أو مجرى . فكرة اكتسبت عدة معان في نفس الوقت (الوضوح،العقلانية، ولديها اتجاه). ومن وجهة نظر عامة : فكرة تتبع التاريخ، تبتع عن التفاصيل.
2ـ أصل فلسفة التاريخ. يعتقد بعض الفلاسفة و المراجع الغربية أن الثورة الفرنسية استطاعت خلق اعتقاد عند الفلاسفة وأهمهم(كانت،هيغل،ماركس) بأن التاريخ كان له معنى، وأن الإنسان تقدم عبر مسيرة التاريخ. أما أصل فلسفة التاريخ فيعود إلى ظهور المسيحية. ويمكن هنا أن نعطي مثلين على هذا الأصل :
سان بول: يقول بأن وراء كل أفعال الإنسان، هناك شيء مخفي أو مخطط من الله، من العناية الإلهية، والتي تقود الأحداث وهذا المخطط هو كالتالي :أولا، تسلسل يقود التاريخ، إنه خلق الله ( فالله خلق الإنسان على صورته)، ثانيا، السقوط ( خطيئة آدم)، ثالثا، الخلاص ( و الذي بدأ مع موت المسيح وحتى يوم الحساب الأخير أو نهاية العالم). النتيجة : الإنسانية عبر التاريخ خاضعة اختبار أو بلاء يهدف على الشفاء والخلاص من الخطيئة الأصلية. ربما لا نستطيع الحديث هنا عن فلسفة للتاريخ بالمعنى العلمي أو الأكاديمي للكلمة، بل هي على لاهوت للتاريخ أكثر مما هو فلسفة.
سان أوغستان : ( 354ـ 430)، تحدث عن مدينة الله، و " بوسويت" ( 1627ـ 1704)، في كتاباته عن التاريخ العالمي. بالنسبة له لا يوجد أية صدفة في التاريخ، إذا البشر لم يتوصلوا لرؤية كيف التاريخ يتقدم نحو نهايته، هذا لأنهم مخلوقات جاهلة بالقدر الإلهي ووسائل ممارسته.
3ـ مع هيغل: الذي لم يكن سوى تفسيرا لاهوتيا للمستقبل الإنساني سيصبح فلسفة للتاريخ. هيغل ينتقد بشكل واضح في كتابته عن "العقل في التاريخ" ، مفهوم القدر السماوي. يقول أن العقل هو الذي يقود التاريخ، ولكنه يقول كما جاء من قبله ولكن بشكل علماني دنيوي. حيث خلف كل المظاهر الخارجية للأحداث هناك مخطط سماوي،خلف كل ما يفعله البشر، لاسيما خلف أعمالهم الأكثر عبثية و نزواتهم الكبيرة/ يختبئ عقل و روح، يقودان العالم نحو الحرية، العقلانية، والأخلاقية.
ولكن العقل لديه : 1ـ داخلي، ليس خارجي، على عكس التاريخ المقدس. 2ـ العقل الداخلي هذا ( داخل العالم) هو المستقبل التاريخي نفسه.
كل فلسفة للتاريخ تقبل أربع مسلمات وفق هيغل : 1ـ الحقيقة التاريخية هي موضوعية وتوجد بشكل مستقل عن البشر. 2ـ التاريخ له مفهوم ومعنى، له اتجاه معرّف وله وضوح. 3ـ الزمن مدرك كخط مستقيم يذهب إلى اللانهاية. في الواقع هذا المفهوم الخطي للزمن هو مفهوم مسيحي. 4ـ التاريخ له غاية، إنه يتبع هدفا، إذا، الزمن ثابت ويحملنا نحو النهاية, كل حدث ليس له معنى سوى حملنا إلى هذه النهاية. رابعاـ انتقادات لهذه المفاهيم لفلسفة التاريخ : 1ـ من وجهة نظر أخلاقية : إنها طريقة لتبرير كل ما يحدث، لاسيما الشر منه. لكل ما يفعله البشر مهما كان عبثيا ووحشيا. 2ـ من وجهة نظرية علمية ومعرفية : هذا التفسير مبهما وغامضا وبعيدا عن الموضوعية. 3ـ الجهل بأن التاريخ له علاقة بالحرية، والتاريخ لا يمكن تفريقه عن الطبيعة: فالإنسان لم يخلق التاريخ. و النتيجة : وإذا التاريخ له معنى، ليس لأن التاريخ مكتوب من قبل مؤرخ، أو من قبل إنسان. التاريخ ليس له معنى بحد ذاته، لأنه من اللحظة التي يوجد فيها تاريخ، يوجد دائما إعادة بناء للماضي.
مدخل : القواعد الجديدة لفلسفة التاريخ :
يرى العديد من الفلاسفة أن المبادئ العامة لأي علم هي التي تشكل فلسفته. وعندما هذا العلم يتبدل،يتغير أو يتحول، فلسفته تتغير أيضا بشكل مواز. والتاريخ يتبع هذا القانون المشترك بين العلوم. معظم الأفكار التي خدمته و ساندته تلاشت أو انتهت شيئا فشيئا، واليوم التاريخ يبحث عن تبديل قواعده القديمة للتفسير.
ينظر أحيانا إلى التاريخ على أنه عرض بسيط للأحداث التي كان العالم مسرح لها، أو أن التاريخ هو بلبلة وفوضى مستبعدة الحدوث أو لم تقع تأتي من صدف لم نراها أو غير متوقعة. فالأحداث الأكثر أهمية تجري فيه من غير علاقة واضحة فيما بينها.أسباب صغيرة جدا تنتج تأثيرات أو منعكسات كبرى.
هذا الغياب لعلاقة واضحة مرئية بين بساطة الأسباب و ضخامة النتائج أو المضاعفات هو من الظواهر الأكثر مفاجأة في حياة الشعوب. فمثلا في شبه الجزيرة العربية، ظهور نبي تحدث عن الوحي بينه وبين السماء خلق دينا جديدا سيتحول إلى إمبراطورية بعد عدة سنوات.
هذا يقودنا للحديث عن الأحداث التي تكون التاريخ : التاريخ ولد تحت تأثيرات مختلفة منها دائمة مثل : الأرض،المناخ،العرق. و تأثيرات أخرى عرضية أو طارئة مثل : الأديان، الحروب وغيرها. هذا المفهوم للسبب هو من بين المفاهيم التي مارستها حكمة الفلاسفة. أرسطو مثلا أعطى أربعة معان مختلفة لكلمة "السبب". من وجهة نظر عملية، إنها تعني الظاهرة التي تنتج ظاهرة أخرى. لكن النتيجة أو المنعكس سيصبح بعد فترة أيضا هو "سببي" بدوره ، والعالم يوجد مبنيا أو مشكلا من خلال تشابك وتقاطع للضرورات حيث كل منها يشكل في نفس الوقت سببا ونتيجة.
في التاريخ، الأحداث تتعاقب بشكل تجعلك تعود كثيرا إلى الوراء من أجل تحديد تأثيرا على ولادة هذا التاريخ. إحدى أكبر الصعوبات أمام المعرفة التاريخية تعود إلى المناخ أو الحالة التي يضعنا فيها الحاضر و إلى الوقت الذي نعيش فيه، هذه الحالة تتمثل بإعادة خلق ماض بعيد لا نراه ولم نعيشه. فمن أجل فهم الأحداث من الضروري العودة إلى سلسلة طويلة من الأسباب الداخلية والماضية.فمثلا الثورة الفرنسية كانت نتيجة لسلسلة طويلة من الأحداث الماضية. الإنذار الذي وجهته ألمانيا إلى النمسا كان ظاهرة أولية للحرب العالمية. ولكن إذا ومن أجل كل حدث ندرسه علينا دراسة وتحليل تعاقب الأسباب البعيدة التي أدت إليه، فإن التاريخ يصبح مستحيلا. إذا علينا التفرغ لدراسة الأسباب المباشرة، ثم اختبار ملخص التأثيرات العامة التي ساهمت خلال زمن طويل في خلق هذه الأسباب. إن التاريخ لم يكن علما بل تركيب من مجموعة علوم، مفهومه متغير من زمن إلى آخر. ومع تقدم العلوم فلسفته الحالية تتطلب العديد من المفاهيم الجوهرية حول تطور العالم و طبيعة الإنسان.
إن التاريخ ولد من ردات فعل وتفاعلات الروح الإنسانية تحت عدة تأثيرا مختلفة، لكن الطبيعة الحقيقية لهذه الروح لم تعرف بشكل كبير رغم تقدم العلوم. علم النفس،وهو قاعدة أساسية لمعرفة التاريخ، لم ينجح إلا في إضاءة الدوائر المحيط بهذا التاريخ. فمن بين النتائج التي سمحت بنقل أو تغيير مفاهيمنا للتاريخ، لا بد من ذكر بشكل خاص تلك المتعلقة بالحياة العقلية المدروسة بواسطة علم النفس الحديث.
لقد كشف علم النفس أن اللاوعي، المتوارث أو المكتسب، يحدد في معظم الأحيان الدوافع وراء تحريك أو قيادة هذا التاريخ؛ و القوى الخفية و الفعالة المؤثرة والتي هي أكبر من القوى العقلية. بمعنى آخر أن علم النفس يساعدنا كثيرا في فهم حركة التاريخ و شخصياته المؤثرة ثم الأوساط التي ساهمت في هذه الحركة.
علم النفس أيضا يبين أن الأخطاء في الحكم والتقييم على الأحداث التاريخية تعود بشكل عام إلى ما يمكن أن نسميه " البدايات العقلانية" في قراءة التاريخ، أيضا الأخطاء في التقييم التي يظهرها علم النفس تعود إلى التأثيرات الخفية أو الأسطورية التي تصيب كل شعب، حيث التأثيرات التي لا يستطيع العقل التصرف تجاهها، و المعتقدات الدينية و المعتقدات السياسية ذات الطابع الديني التي لا تستند إلى أسس أو أسباب عقلية؛ أيضا عقلية المجموع تختلف عن العقل الفردي الذي يشكله أو يكونه. هنا يكون دور علم النفس في توضيح أسس وقواعد كثيرة ربما تكون خاطئة ويقوم عليها التاريخ.
إن تقدم ومنجزات العقل يجب ألا تجعلنا ننسى الدور الرئيس لأوهام الشعوب أو لدور الأوهام في حياة الشعوب. هذه الأوهام خلقت آمالا و أعطت الإنسان قوة في العمل والتحرك لا تستطيع أن تصل إليها أية قوة عقلية. وفلسفة التاريخ لم تكن سوى الفصل الأخير من فلسفة عامة للكون والعالم. من هنا علينا ألا نعزل الإنسان عن تاريخه الضخم الذي ساهم في ازدهاره، بل يجب ربط مجموع الكائنات التي سبقته أو سبقتنا على الأرض من عالم طبيعي، حيواني و حتى نباتي لأنها تشكل تعاقبا ضخما لهذه الكائنات والتي منها الإنسان.
هذه الطروحات التي نتحدث عنها هنا هي ضرورية من أجل توضيح التغيرات العميقة على طريق بناء الفكر الإنساني و الذي عرف بدوره وأثناء هذا التطور مفاهيم قديمة يراها الإنسان أنها أبدية لا تتغير وهي قواعده في تفسير التاريخ.
ربما لن يتوفر الوقت لتقديم العناصر الكاملة لفلسفة للتاريخ، مع ذلك سنقسم دراسة فلسفة التاريخ إلى أربعة أقسام : 1ـ أبحاث علمية تقود إلى تغيير كامل للأفكار القديمة حول ظواهر الحياة، أصول الإنسان و تطور العناصر التي كونها. 2ـ مفاهيم متتالية للمؤرخين حول مختلف الحوادث التاريخية. 3ـ الطرق الدائم لإعاد بناء الأحداث من الماضي وأسبابها. 4ـ أبحاث حول التأثير الممارس من قبل عوامل تاريخية دينية وسياسية أو اقتصادية على تغيرات الشخصية.
إذا من أجل فهم فلسفة للتاريخ لا بد من قراءة الظروف التي سمح العلم بتشكيلها حول القوى المبدعة أو المنتجة لهذا الكون، أصول البشر وعدم استقرارها،الطبيعة الإنسانية،ظواهر الحياة، الخ. حيث سنرى المذاهب القديمة التي عاشها الإنسان، وكيف تغيرت بالتدريج إلى مبادئ جديدة في كليتها.
أولاـ القوى المبدعة للتاريخ، طبيعة الإنسان والحدود الحالية لمعارفنا. الأفكار الأساسية التي عاشها العالم حول الكون والإنسان تبدلت كثيرا بل أصابتها تحولات كاملة. فالمعارف العلمية الجديدة كان لها التأثير الهام على مفهومنا للتاريخ :
ـ المفهوم الأول الذي تم إنهاءه من قبل العلم كان يتعلق بخلق العالم وخلق الإنسان. فمختلف الأديان كان ترى أن العالم خلق من العدم بواسطة إرادة الخالق أو الله. بالنسبة للعلم الحديث، الإنسان ليس إلا حد نهائي لسلسلة طويلة من الكائنات التي سبقته. فإذا تجاوزها الإنسان بشكل كبير ضمن المفهوم الفكر و العقلي،إلا أنه يتشابه معها في دائرة الحياة العضوية. هذا المفهوم الحديث لا يتطابق ولا بأي شكل من الأشكال مع الفكرة القديمة القائمة على الحتمية. حيث يرى هذا المفهوم أن كل ظاهرة هي بشكل دقيق محددة بالعديد من الأسباب التي تؤدي إليها.
ثانيا ـ ظواهر الحياة و الأشكال المجهولة للذكاء. التاريخ ليس من مهامه أن يشتغل على بنية الكائنات بل يقوم بتسجيل أعمالها. لكن مع ذلك سيكون من المهم الإشارة إلى طبيعة معارفنا حول ظواهر الحياة و الفكر و التي منها اشتقت أو استمدت الأفعال الإنسانية وتفسيراتها. فالحياة مكونة من مجموعة من التفاعلات التي يشارك فيها البعض أو هي مشتركة بين الكائنات الحية مثل الإحساس مثلا، بينما هنا أشياء أخرى كالتفكير فهو مقتصر على الكائنات العليا السامية. فالإحساس أو التأثر هو الظاهرة الأكثر بساطة وعمومية في الحياة. موجود في كل مادة. وتأثر المادة أو إحساسها خاضع أو هو نتيجة لتكيف سريع مع التغيرات في البيئة أو الوسط المحيط بها. هذه الظواهر من التأثر و الإحساس تترافق مع أخرى كثيرة من نفس النظام مثل الصراع من أجل الوجود و البقاء وهذا ينطبق على الحيوان والنبات أو جميع الكائنات. وحتى تصبح المادة حية تأخذ دائما شكل الخلية. ففي داخل الخلية أو الخلايا، الحرارة ،الكهرباء، والقوى المختلفة المزودة بالهواء، و العناصر الأخرى تتحول إلى طاقة جديدة ضرورية لانطلاق الحياة.
إن كل فئة من الخلايا لها شغلها الخاص أو مهمتها الخاصة والمختلفة، كما لها تعريفها الخاص والكامل. فعلى سبيل المثال : لو كنا في مصنع عادي فإننا نجد أن الجهد سهل حيث كل عامل يقوم دائما بنفس المهمة. ولكن في مصنع أكثر تطورا وتعقيدا، العامل عليه تغيير عمله من غير العودة إلى تكرار عمله وذلك وفق الظروف. فإذا ضرب فيروس جسم حيوان ما فإن المراكز العصبية الغير معروفة تأمر العديد من الخلايا بإنتاج مضاد لهذا الفيروس. ففي الكائنات ومنها الإنسان خلايا حية أكبر مع معرفتنا أو ذكائنا،لكنها موجه لغايات محددة. إن كل فرد يبدأ وجوده من خلال خلية مشابهة، لتلك التي كانت في الماضي نقطة البداية للحياة.
ثالثا ـ تغيرات الشخصيات،الأفراد و الجماعات. منذ ثلاثينات القرن العشرين اختفت مجموعة من المفاهيم البسيكولوجية التي رفضت تغيرات الشخصية. كانت الشخصية قبل ذلك تقرأ أو ينظر إليها على أنها واحدة متفردة، ولكن فيما بعد ظهر أنها مركبة من عناصر متعددة. المفهوم السابق القائل بعدم تغير الشخصية وتبدلها كان يبرر من خلال أن الفرد يُظهر عدة ردات فعل تتكرر في الحياة اليومية، من غير تغيرات كبيرة. دون شك، العديد من التغيرات والتبدلات عند نفس الفرد تمت ملاحظتها، ولكن الجهل أو عدم معرفة طبيعتها و دوافعها الحقيقية جعلها تنصف بأنها من أهواء الإنسان ونزواته. وهم وجود الشخصية الغير متبدلة استند بالمقابل على الاستقرار الفيزيائي الظاهر للجسد. الشخصية من الناحية الفيزيائية في الواقع تتغير بشكل بطيء جدا لدرجة أنها لا تعطي الانطباع بأنها تتغير أو تتبدل.
في الواقع،الشخصية تتبدل من الناحية الفيزيائية أيضا كما يظهر بعد المعاينة. ووهم ثباتها ينتج فقط من عدم كمال أو تمامية وسائل المراقبة والملاحظة لدينا. حيث يجب الانتظار لسنوات طويلة لمعاينة هذا التبدل بالعين المجردة، في جين أن أداة ما أو جهازا من الممكن أن يكشف التبدل في دقائق.
عندما نتحدث عن الشخصية فيزيائيا أو معنويا، فهذا يعني أننا لن نرى أبدا ونهائيا نفس الشخصية مرتين.فما نعرفه عن الناس الذين يحيطون بنا و ما يعرفونه هم عن أنفسهم يكشف فقط عن شيء بسيط من جوانب الشخصية. إنه من المؤكد أيضا أن هذه التبدلات لا تبعد التأثير القادم من الوراثة. كل خلية جديدة،هي وارثة لأخرى قديمة، تحتفظ بقوة بالعديد من استعداداتها أو كفاءاتها. هذه العناصر المتوارثة تعطي للفرد أشياء فطرية والتي بعضها مشترك مع كل الكائنات من نفس العائلة أو الجنس والعرق.
فعند الشعوب المستقرة منذ زمن طويل من خلال مصالحها ز معتقداتها المشتركة، التبدلات في الشخصية هي محدودة. حيث المشاعر و الأفكار المشتركة. وعند الشعوب غير المستقرة مثل العرق السلافي مثلا نرى الشخصية متبدلة متغيرة.
السبب الرئيسي لتبدل وتغير شخصياتنا يعود إلى التغيير في تصوراتنا العقلية. فالتصور لدينا هو الذي ينتج أحكامنا، ألامنا و أفراحنا. فكل مؤسسي الأديان :بوذا، المسيح ، محمد، الخ..لم يغيروا العالم إلا لأنهم أعطوا الجانب الإنساني القوة في إعادة خلق نفسه وخلق تصوراته العقلية. لكن هذه التصورات كانت مشروطة حيث جعلت الروح والعقل يتقلبان بين ثابت من الشقاء ونهائي أو أزلي من السعادة.
إن شخصياتنا المتعددة لديها أصول متميزة جدا : 1ـ العناصر تعود للسلف انتقلت بالوراثة. 2ـ العناصر المكتسبة أو المفروضة علينا من خلال الوسط أو البيئة، التعليم..الخ.
إن التاريخ أثناء الأزمات الاجتماعية الكبيرة كانت مشبعا بهذه التغيرات والتبدلات الكبيرة. فالجميع يتذكر سفك الدماء أثناء قيام الثورة الفرنسية ، نهبت قبور الملوك،قطعت رؤوسهم، علما أن هؤلاء الذين ارتكبت بحقهم هذه الأعمال كانوا في الأوقات العادية بشرا مسالمين من البرجوازية منهم القضاة،المحامون وغيرهم. ولكن التغيرات العقيلة الكبيرة لا تلاحظ فقط أثناء الانقلابات الكبيرة في التاريخ كما في الحروب والثورات، إنها يمكن أن تظهر بالمقابل تحت تأثير العقيد والإيمان الديني القوي. فمعظم الأديان تنتج تغيرات في الشخصية، تقود في النهاية المؤمنين بها للتضحية بحياتهم من أجل نصر أسطورة أو معتقد مثالي لديهم.
ونطرح هنا السؤال التالي : هل التغيرات في الشخصية تترافق مع تغيرات بسيكولوجية ؟ بعيدا عن التغيرات العادية، الشخصية تتحول في جميع الحالات المرضية وهذا يعود إلى تلف العديد من العناصر العصبية. هذه الظواهر من أصل مرضي، تظهر بشكل خاص في أوقات النزاعات و الاضطرابات التاريخية. تأثرات هذه الظواهر المرضية يمكن أن ندرسها أو نستخدمها ولكن بعناية كبيرة في عملية قراءة وتحليل الأحداث و في الدراسة النفسية للشخصيات التاريخية. التغيرات في الشخصية، والتي نراها عند الأفراد، يمكن أن تظهر بشكل أقوى عند الجماعات. حيث تتشكل داخل كل مجموعة ( برلمان،مجلس حرب،الخ) روح مؤقتة خاصة، يمكن أن نصفها بسيكولوجيا بعلم نفس الجماهير أو الجماعات. من بين المظاهر الأكثر وضوحا لهذه الشخصية الجماعية الوقتية الساذجة،عدم التسامح، العنف و عدم إمكانية التصرف من غير زعيم أو قائد. الحالية العقلية و النفسية لجماهير معينة تستبعد أو تخضع شخصية كل من أفراد هذه الجماهير لصالح عملية التحول الجماعي. فالمسالم يصبح وحشا، و البخيل مسرفا،الخ.
الشخصية الوطنية تشكل شخصية جماعية مثبتة من قبل وسائل مختلفة من للاعتقاد الديني، المعنوي،العادات ،الخ. والعناصر التي تحدد تاريخ شعب، شخصيته الوطنية، حكامه ومحكوميه، هي التي تحدد بصرامة شروط قدره وجرى حياته واتجاهها.
فلسفة التاريخ المحاضرة الثانية
أولاـ الأشكال المختلفة لتفسير التاريخ 1ـ المفهوم الروائي للتاريخ 2ـ المفهوم اللاهوتي للتاريخ 3ـ المفهوم الفلسفي للتاريخ
ثانيا ـ مصادر الخطأ في التاريخ ثالثاـ الروح النقدية في التاريخ رابعاـ وسائل إعادة البناء العلمي للتاريخ
أولاـ الأشكال المختلفة لتفسير التاريخ 1ـ المفهوم الروائي للتاريخ
المؤرخون القدماء، كما هيرودوت مثلا، لم ينشغلوا كثيرا بدقة الأحداث. دورهم اقتصر على إعادة إنتاج الأساطير أو الأحداث التي سمعوها. إعادة الإنتاج هذه تركبت من الذكريات التي بقيت في ذاكرة الناس. وحتى وقت حديث حتى أصبح التاريخ يعتمد على شهود معاصرين للأحداث. ونذكر هنا أن المؤلفات الأولى المتعلقة بتاريخ روما و أثينا، لا تظهر الكثير من الدقة مثلا. أفضل الكتاب الرومان، يعتبرون دائما أن التاريخ هو فن و الكاتب أو المؤلف يتفنن بزخرفته. إنه ،وفق الرومان دائما، " عمل يقوم فيه خطيب"؛ إذا هؤلاء المؤرخين يتناولون التاريخ "كخطب" ترتب الأحداث والأفعال بشكل يبرر طروحاتهم أو تزود سردهم بالأمثلة الجيدة. كما أنهم كانوا يختارون شخصيات محاربة أو أبطال وأباطرة، ويجعلونهم يتكلمون، مختارين الخطب الرنانة والكلمات الجميلة والقوية، عبر حوار مصطنع بين هذه الشخصيات. (مثل : أوثان ، فيسباسيان). لقد كان في هذه الخطب والحوارات المصطنعة ( قصة طارق بن زياد) الكثير من التخيل، ثم تأتي الأجيال تنتهي باعتبار هذه المخيلة وكأنها حقيقة عصماء وتبدأ بإعادتها واجترارها. المفهوم الروائي للتاريخ لم يمت مع المؤرخين القدماء. لقد عاش رغم الانتقادات الكثيرة وحتى القرن العشرين بقي فعالا. هناك أمثلة على ذلك، مثل كتاب "حياة المسيح" لرينان والذي هو عبارة عن حكاية أو رواية. ويمكن القول هنا أن نجاح مثل هذه الكتب يعود بشكل خاص للجانب الروائي فيها. فالقارئ العادي يبحث في التاريخ عن الأحداث الغريبة والعجيبة التي يتم سردها بشكل غنائي.
2ـ المفهوم اللاهوتي للتاريخ
اليونانيون، في كابتهم و سردهم للتاريخ أدخلوا الإلهيات كثيرا في الأفعال الإنسانية. ففي كل صفحة وصف "لهوميروس" نرى الله يظهر وكـأنك تقرأ كتابا دينيا يهوديا قديما. الرومانيون أيضا خلطوا بين الأفعال الإنسانية والأفعال الإلهية. ( عملية الخلط هنا لا تختلف كثيرا عن اليوم، عندما يتدخل الكهنوت الديني في تفاصل حياتنا اليومية، كيف نأكل ونشرب وننام...فهذا امتداد وبشكل آخر لهذا الخلط في الوظائف).
مع انتصار المسيحية ولد مفهوم لاهوتي صرف وخالص للتاريخ. وبدأ يتراكم قرنا بعد قرن. وفي قراءة سريعة للتاريخ من القرن الخامس وحتى القرن الثامن عشر، نجد أن علم اللاهوت يسيطر و يدير الروح الإنسانية، كل الآراء مأخوذة من اللاهوتيات، و المسائل الفلسفية ،السياسية،التاريخية اعتبرت دائما أو نظر إليها من وجهة نظر لاهوتية. فالروح اللاهوتية هي في بعض المعاني الدم الذي سال شرايين العالم الأوربي حتى عصر "ديكارت" و" بيكون".
والمؤلفات التاريخية المكتوبة خلال هذه الفترة الطويلة تبين إلى أية درجة التأثيرات الدينية استطاعت السيطرة على الفكر الإنساني. ففي فرنسا مثلا، الملك لويس السادس كان يعتقد كثيرا بحماية القديسين، ومقتنعا كما يقول المؤرخون الفرنسيون، أنهم يتدخلون من غير توقف في الأفعال الإنسانية، وهم فقط يستطيعون تأمين الانتصارات في الحروب والانتصارات الدبلوماسية.
وحتى وقت نسبيا حديث، كان الكثير من الفلاسفة يعتقدون أو يتقاسمون هذا الاعتقاد البسيط و الساذج أحيانا. فالمفاهيم اللاهوتية للتاريخ لم تبدأ بالاختفاء إلا في اليوم الذي بدأت في العلوم تتقدم وتؤكد أن جميع الظواهر في الكون خاضعة لقوانين صارمة لا تعرف الأهواء والتقلبات. ولكن مع عملية الابتعاد عن المفاهيم الروائية و اللاهوتية للتاريخ كان من الواجب اكتشاف مفاهيم أخرى من أجل شرح مجرى الأحداث التاريخية. انطلاقا من هذا الواجب الإجباري ولد ما نستطيع أن نسميه المفهوم الفلسفي للتاريخ.
3ـ المفهوم الفلسفي للتاريخ
هذا المفهوم يقول لنا أن الأحداث التاريخية هي تخضع لظروف أو مشروطة بضرورات بعيدة عن الصدفة أو لإرادة عليا إلهية سماوية. و العلم يجهد لتحديد هذه الضرورات، لكن تعقيداتها لا تسمح بأن نأمل أو ننتظر بأن تكون هذه الضرورات دائما يمكن تحديدها.
كل حدث تاريخي هو بالتأكيد عقلاني، ضمن هذا المعنى إنه يمتلك سببا، ولكن هذا لا يعني أن يتطابق أو يتناسب مع مخطط ما. تأثير العوامل أو الدوافع الكبرى، كما كان مثلا في العصر القيصري الذي كان ضروريا للحظات معينة من التاريخ الروماني، خطوة مختلف البلدان في أوربا نحو الوحدة، كل هذا يبين بوضوح وجود العديد من الأسباب العامة. مع ذلك التاريخ هو مليء بالأحداث التي كان من الممكن أن تكون مختلفة جدا عن الطريقة التي حدثت بها، لأنه لا يوجد قانون ثابت أدى لوقوعها أو لضرورة حدوثها بهذه الطريقة أو تلك. فمثلا تاريخ وتطور إنكلترا كان من الممكن أن يتغير لو أن النورمانديين انتصروا في معركة" هاستنكس"، حيث في اللحظات الأخير الدوق "غيوم" تخيل إستراتيجية أدت لنجاحه وحمايته من كارثة ستقود النورمانديين إلى فكرة معاودة الحرب أو الغزو لإنكلترا. لو أن هانيبال الباحث عع الاستيلاء على روما لتحويلها إلى مستعمرة قرطاجية نجح في محاولته، لكان كل مجرى التاريخ القديم قد تغير. (إذا هناك أسباب عامة تؤدي لنتائج محددة).
ثانيا ـ مصادر الخطأ في التاريخ المؤرخون يعترفون بشكل عام اليوم بضعف قيمة الطرق القديمة في دارسة التاريخ وفلسفته. في كتاب وهو ملخص للعديد من الدروس نشر في جامعة السوربون في باريس، كتب Seingnobos"سينبوس": وبسبب أننا لم نر،فإن الملاحظات التي استخدمت في القديم لسرد التاريخ لا تعكس سوى آراء أصحابها أو كتابها". لذلك الروح النقدية كان عليها أن تتطور عبر التاريخ قبل أن يكون من غير الممكن إصلاح الأخطاء السابقة ولاسيما تحديد ما هو عام في الحالات الخاصة. ولكن مهما كانت حكمة وبصيرة المؤرخ فمن الصعب بالنسبة له الانسحاب من تحت التأثيرات الناتجة عن قناعاته الدينية و السياسية ولاسيما عن المشاعر التي تربطه بالمكان الذي يعيش فيه. وفي معظم الأحيان سيختار ما يبرر أو يظهر أنه يبرر أفكاره،أهواءه ،معتقداته ، ثم يبعد الأفكار الأخرى.
وحتى لو كانت الأفكار المدونة في الملفات إذا كانت دقيقة وصارمة، فإنها لا تشكل مواد لبناء يمكن تشييده في الحال أو فورا. المعلومات المتعددة حول الأحداث التاريخية الحديثة نسبيا تكون متناقضة في معظم الأحيان، فما بالنا بالأحداث القديمة، حيث يمكن إيجاد مبررات دائمة لأفكارنا التي نطرحها وندافع عنها. في التاريخ ، ليس هناك أسهل من أن تساند رأيا أو أطروحة مخالفا، وهذا أمر تقريبا مستحيل في العلوم لأن أي زعم ليس له قيمة في العلوم إلا إذا كان مبررا بالملاحظة و التجربة.
و الباحثون الشباب اليوم بعد أن يمضوا نهارا طويلا في المكتبات و الأرشيف للبحث عن ملفات قديمة لا يريدون أن يكونوا نسخة عن هذه الملفات، بمعنى لا يريدون إعادة واجترار ما حصل في الماضي كما هو، هنا تتدخل الروح النقدية لتعطي جيلا آخر يقرأ التاريخ بعينين وعقل مختلف تماما عن القدماء. فعقل نقدي يسمح لنا بطرح آراء جديدة ويسمح بتعميق الأبحاث و إعادة تفكيك الشخصيات الماضية، ومحاولة فهم أمجادها إن كانت في الحقيقة صحيحة كما وصلت إلينا.
اليوم نرى بشكل واضح أن قراءة التاريخ وإعادة تعريف فلسفته أصبحت عملا للعلماء والمتخصصين، حيث كانت في الماضي من مهمات العاملين على الأدب في معظم الحالات. فالعلم اليوم وحده الكفيل بإبطال مفعول الأفكار السابقة والخاطئة عن التاريخ. والعلم هو من أعاد تركيب وبناء التطور الفيزيائي و الفكري عند الإنسان، مثلا علم " باليونتولوجي" Paléontologie (وهو علم يبحث بالمستحثات القديمة) و الأنثروبولوجيا استطاعت تبديل التوصيف الأدبي للملفات التاريخية بشكل علمي جديد بحيث لم يعد هذا التاريخ مجموعة من الخطابات الحماسية.
ثالثاـ الروح النقدية في التاريخ رأينا في الفقرة السابقة أن تفسير الأحداث التاريخية الماضية فيه الكثير من الأخطاء. وحتى نحكم علي التاريخ وأخطائه لا بد في البداية من أبعاد وبشكل كلي التأثيرات القومية والوطنية،الدينية والسياسية والتي تسيطر وتحدد قسما كبير من حكما على التاريخ. فسبب هذه التأثيرات نرى المؤلفات و الكتابات في مختلف البلدان وحول نفس الحدث تحتوي على توصيفات وسرد للحدث بشكل مختلف كليا وغير متشابه.
إن معظم الأحداث التاريخية وقعت بسبب تعاقب لمجموعة من الأسباب غير المرئية. لذلك الطرق القديمة في قراءتها لم تعد تنفع في شيء. فالتاريخ لا يتكلم بل نحن الذين يكتبونه و يدوننه. ومن أكبر الأخطاء ومصادرها في عملية تفسير التاريخ أو الأحداث الماضية، يأتي من أن الكتاب و المؤرخين يبحثون لشرح الأحداث الماضية بأفكار الحاضر، بدلا من قراءتها وفق المشاعر والأهواء التي رافقتها أثناء حدوثها.
المهمة هنا في غاية الصعوبة، فعلينا مثلا فهم روح معتقد أو مؤمن تسيطر عليه قناعاته الدينية، فهم ثائر هائم محلق بأحلامه لثورية..الخ. ومن أجل متابعة طبيعة هؤلاء و الأحداث التي ترافقهم يجب الوصول إلى إعادة تنشيط و إحياء ما يمكن أن نسميه "روح العصر". هذه الروح نفهما ونفككها بأداة عميقة وأساسية هي العقلية النقدية، تلك العقلية التي غيرت الكثير بل معظم المفاهيم عن التاريخ.
رابعاـ وسائل إعادة البناء العلمي للتاريخ 1ـ تحديد الأحداث بواسطة الشهادة. الشهادة هي مهمة و أساسية ولولا أهميتها لما أعطي لها هذا الدور الكبير في التاريخ والقضاء.حتى وقت متأخر نسبيا (بداية القرن العشرين)، بمعنى حتى الوقت الذي بدأت فيه الأبحاث السيكولوجية المتخصصة تلعب دورها في قراءة التاريخ، قيمة الشهادة لم يعترض عليها نهائيا خاصة إذا افترضناها أنها تأتي من نية صادقة. هذه الشهادة كانت كقاعدة مبنية على تصديق الكلام من الشاهد وفق روايته للأشياء التي رآها.
إذا الراوي أو الشاهد ليس لديه أسباب شخصية يدافع عنها، وليس خاضعا لتأثيرات دينية أو سياسية، فلماذا لا نصدقه ؟ لأي سبب شخص موثوق يروي حدثا كان شاهدا عليه بشكل غير أمين؟ الأبحاث الحديثة لعلم النفس التجريبي قوضت نهائيا هذه الثقة و أنهتها من عملية الشهادة. وبينت الأبحاث هذه أن وفي الأحداث البسيطة، والتي ليس فيها أية أهواء، لا يوجد أية مصلحة تتدخل، ولكن من المستحيل الحصول على معلومات مؤكدة بالتمام والكمال. الطبيب البروفسور "بيرنهايم" لاحظ أنه من الصعب جدا الحصول على وصف أمين لحدث تمت ملاحظته. أيضا الشهادة من قبل مجموعة رأت حدثا معينا ليس بأفضل من ذلك عند علماء النفس.
التجارب الأكثر أهمية حول هذا الموضوع تلك التي قام بها البروفسور "كليباريد" من جامعة جنيف. حيث الأشخاص الذين يخضعون للتجربة ليسوا عاديين بل مجموعة مختارة من الطلاب الأذكياء. الشهادات التي تم الحصول عليها كانت مؤلمة. من بين الأسئلة المطروحة على الطلاب، واحدة منها على الأقل كانت مذهلة : هل يوجد نافذة داخلية تؤدي إلى مدخل أو من جهة مدخل الجامعة، على اليسار و نحن داخلون حيث نصبح في مواجهة غرفة موظف الاستقبال؟
معرفة وجود هذه النافذة و التي يمر أمامها الطلبة كل يوم، تم رفضها من قبل 44 طالبا من أصل 45.
2ـ تحديد الأحداث التاريخية من خلال دراسة الآثار، النقوش و الميداليات بشكل عام، المؤرخون لا يرتبطون كثيرا بأهمية الآثار أو الأعمال الفنية الأخرى. علما أنها تظهر من بين المصادر الأكثر تأكيدا للتاريخ. إنها كتب لا تكذب، فيها توضيح كبير، لم يتم فهمه إلى في مراحل متأخرة.فالنسبة للعديد من الحضارات تشكل الآثار المصدر الوحيد الذي يسمح بإعادة بنائها. بفضل هذه الكتب المصنوعة من الحجارة، كما في العراق مصر وسورية مثلا،عرفنا أن شعوبا كانت موجودة من قبل على المسرح العالمي. ( نذكر هنا كيف أن هذه الآثار تشكل اليوم جزء من الهوية الوطنية للشعوب).
3ـ تحديد العديد من الظواهر الاجتماعية من خلال الإحصاء إن مفهوم تحديد الأشياء بدا أكثر فأكثر منذ زمن طويل يسيطر على الفكر العلمي والهدف كان في البداية معالجة العديد من الظواهر التي بدأت تصبح ظواهر جماعية، تعبر عن الجماعة أكثر مما هي حالة فردية. خاصة أن الحالات الجماعية تظهر بشكل أكثر وضوحا والفردية تكون في الغالب غير مرئية.
الطرق الإحصائية أخذت دورا كبيرا في علوم الاقتصاد السياسي و العلوم الاجتماعية.و الملفات الإحصائية تظهر من بين الأكثر دقة التي يمكن أن نستخدمها اليوم لدراسة تطور اجتماعي لشعب معين. في عملية التاريخ، هذه الطريقة مهمة لأنها تدرس تطور شعب ما من جميع النواحي وفي جميع المجالات.رغم أن هذا النوع من الدراسة يحتاج لعناء وجهد كبيرين.
4ـ تحديد عقلية شعب من خلال إنتاجه الأدبي الملفات الأدبية بكل أنواعها (شعر،رواية..الخ) تشكل وسيلة جيدة لإعادة قراءة بنية وتاريخ شعب معين.
5ـ تحديد معنى الكلمات في دراسة التاريخ. عدم التفاهم بين العقليات المختلفة هو من أهم أسباب الصراع الذي يملأ التاريخ. إنه يشارك بالإضافة إلى ذلك،بجعل قراءة الماضي وفلسفته قراءة صعبة. عدم الفهم أو التفاهم هذا لديه سببين رئيسين هما :الاختلافات في العقلية، و في اللغة المستخدمة.
الشعوب، كما الأفراد، لها قابلية عقلية مختلفة، نفس الكلمات و نفس الأحداث تؤدي إلى ردات فعل مختلفة.
وفي النهاية نقول، إذا لم نستطع وضع قواعد علمية للتاريخ واضحة وأكيدة، فإنه سيترجم و تترجم فلسفته وفق لغات وعقليات وفهم مختلف.
فلسفة التاريخ المحاضرة الثالثة الأكاديمية العربية المفتوحة نحو قواعد علمية لفلسفة للتاريخ
"العناصر الخالقة للتاريخ"
مدخل ـ تحديد معاني الكلمات في دراسة التاريخ. إن عدم الفهم بين عقليات مختلفة هو من أهم الأسباب للصراعات التي ملأت التاريخ. كما أنه يصعب علينا معرفة الماضي و الحكم عليه بعدم الأهلية. عدم الفهم هذا له سببين أساسيين هما : الاختلاف في العقليات و الاختلاف باللغات.فالشعوب هي كالأفراد، لديها استقبال عقلي مختلف،فنفس الكلمات و الأحداث تحدث عندهم ردات فعل مختلفة.
الاختلاف الناتج عن عقليات مختلفة للشعوب، يضاف عليه تطور معنى الكلمات عبر التاريخ والعصور.فالكلمات تتبع القانون المشترك الذي يجبر كل العناصر في الطبيعية على التغير والتبدل.الكلمات تعيش عبر الزمن، ولكن معنى المصطلحات يتغير تقريبا بشكل كلي من عصر إلى آخر.
فعندما نعتقد أننا نترجم اللغات القديمة، فنحن في الغالب لا نقوم إلا بتبديل فكرنا ووضعه مكان ذاك الذي شرح الكلمات والتي محتواها تغير بشكل بطيء خلال الزمن.هذه التفسيرات الناقصة كانت المصدر الأساسي في الأخطاء. فهي بهذه الطريقة تقود الذين يحدثون الثورات أو التغييرات التاريخية إلى أفكار خاطئة حول مؤسسات وتكوينات العالم القديم. فالمجددون الذين اعتقدوا استلهام المفاهيم من العصر اليوناني أو الروماني و الإسلامي، أو أخذوا في خطاباتهم من تلك المفاهيم القديمة، هم لم يكن لديهم أي مفهوم مطابق أو دقيق للمؤسسات أو الأوضاع التي يشيرون إليها باستخدام مصطلحات مضمونها قد تغير بشكل جذري.
لذلك عندما ندرس الماضي سيكون من الضروري محاولة إعادة الكلمات المستخدمة إلى معناها الحقيقي. ولكن هذه المهمة هي في غاية الصعوبة. لأنه إذا كان بإمكاننا ترجمة كلمة ما، فإنه من المستحيل إيقاظ روح الفكرة أو الأفكار و المشاعر التي أحدثتها هذه الكلمة عندما استخدمت في ذلك العصر. واليوم نفس الكلمات المستخدمة يوميا هي مفهومة بشكل مختلف وفق العرق،الوسط أو البيئة والتعليم أيضا الذي يتلقاه مستخدمي هذه الكلمات. فمثلا مفهوم الديمقراطية يمكن أن يأخذ معان متغيرة وفق رجال الدولة الذين يستخدمونه. وفقط في ميدان العلوم،وبعد قرون طويلة من الجهود، هناك لغة عالمية مشروحة ومفسرة بنفس الشكل. فكا شعوب العالم المتحضرة تعرف محتوى متشابها لكلمة التقنيات أو التكنيك. بينما في ميدان المعتقدات و المشاعر لم يتم تجاوز هذا الموضوع. من هنا نقول : طالما أن التاريخ لم يستطع الاستناد دائما إلى قواعد علمية مؤكدة،فإنه يشرح و يفسر من خلال الكلمات المستخدمة واللغة،المشاعر والمعتقدات أيضا، وهذه ما يقود لبناء فلسفة بالتأكيد خاطئة للتاريخ.
أولا ـ القوى السلفية ( الآباء و الأجداد). يخضع الإنسان لشبكة قاسية من التأثيرات المختلفة :موروثات،معتقدات،عادات وتقاليد،قوانين، تعليم..الخ. وعندما هذه المنظمات لحياة الإنسان تتجمد في مكانها من غير تغيير، التغيرات الاجتماعية تكون بطيئة وضعيفة جدا. وتاريخنا العربي يشير إلى أمثلة كثيرة من هذا النوع.(مازلنا نناقش نفس المشاكل منذ قرون طويلة). فبسبب استمرار الكثير من المفاهيم الدينية،السياسية و حتى الأدبية، مازالت حياتنا الاجتماعية في حالة جمود. وحتى أي شعب يستطيع الوصول إلى التغيير و الازدهار،لابد له من اقتناء أفكار جديدة،مشاعر،معتقدات قادرة على تغيير أو تحويل و نفض الغبار عن الكثير من الأفكار التي أنتجها الإنسان نفسه وأصبح عبدا لها.
في الترتيب الأول من بين الأسباب المحددة للتاريخ تظهر تأثيرات السلف، أي مجموع القابليات أو المهارات التي يحملها الفرد معه بعد ولادته. القوى السلفية هي روح الأموات التي تشكل وتكون روح الأحياء، فليس في المقابر تعيش هذه الأرواح بل فينا نحن. حيث كل فرد ومن خلال قرون طويلة من خلفه من الوجود يبقى متأثرا أو خاضعا للتاريخ أو الماضي.
كل عرق يمتلك أشياء لم يستطع الزمن أو التعليم تغييرها.فالمؤسسات،اللغة والفنون عند شعب معين لا تتبدل إلا بتطور بطيء بسبب الإصرار على وضعها بشكل دائم في علاقة مع الأسلاف. وعندما الشعوب يظهر أنها تبنت معتقدات،مؤسسات،لغات و فنون مختلفة عن الأسلاف، ليس في الواقع إلا بعد تغيرات عميق تصيبها وتغيرها. فالديانات مثلا أحدث تغيرات كثيرة عند الشعوب التي تبنتها،ولكن عندما انتقلت من شعب إلى آخر أصابها التحول والتغيير. فالإسلام في الهند والصين يختلف كثيرا عن الإسلام في العالم العربي مثلا.
ثانيا ـ الطبع و الذكاء. الكائن البشري يوجد دائما ضمن نطاق فيه تأثيرات دائمة عليه، هذا النطاق أو البيئة تشكل ما نسميه بالطبع أو المزاج. والتاريخ يعلمنا كثيرا كيف أن دور الطبع كان أكثر قوة من الذكاء في تحديد قدر وتوجه الأفراد والشعوب.فمثلا قديما سيطر الرومان على اليونان بالرغم من أن اليونان يتمتعون بمستوى أعلى من الثقافة و الذكاء. فالطبع هو قائد مباشر. الذكاء يخدم في التفسير والإدراك والتمييز. فالميزات الفكرية يمكن تعميقها كثيرا من خلال التعليم، بينما الطبع لا يمكن التأثير عليه كثيرا بالتعليم.
في العالم أو المجتمعات الحديثة التي تظهر أنها مكونة بواسطة عوالم مختلفة كليا، هي عوالم أو أجواء العلوم، هذه المجتمعات تخضع بشكل كبير للذكاء.حيث النخب الفكرية توجه وتخترع ثم تغير الجانب المادي في الحضارات. بينما في الجانب الاجتماعي مازالت المشاعر تشكل طبع ومزاج هذه المجتمعات،حيث تولد الصراعات بشكل دائم والتي تؤدي للاضطراب فيها وتعيق تقدم الأمم وتهدد بتدميرها. من هنا نقول: تاريخ العلوم هو وصف للاكتشافات المحققة بواسطة الذكاء. بينما تاريخ الشعوب يروي الأحداث المحددة بواسطة تأثير المشاعر المختلفة و التي تقود بشكل نادر العقل. عمليا،المؤرخون يخلطون بين المشاعر التي تحرك الإنسان ، والدوافع التي تقف وراء أفعاله. فكل البشر،متحضرون أو متخلفون، لديهم مشاعر، ولكن بين البدائي و المتحضر يوجد فرق عميق، حيث أن المتحضر يمتلك القدرة على المقاومة ضد قوة الطبع والمزاج و استخدام المشاعر، وذلك باستخدام العقل الذي يحدث توازنا بين المشاعر ولا يجعل بعضها يسيطر على بعض. وفي أية أمة متفوقة، المشاعر ربما على الأغلب عليها أن تكون في خدمة الذكاء، وليس كما في أمتنا الذكاء فيها يخضع للمشاعر.
ثالثا ـ المعتقدات الإيمانية في شكلها الديني. في الصف الأول من القوى السيكولوجية التي تسيطر على التاريخ تظهر القوى الإيمانية. دورها كان دائما أساسي لأنها تشكل أكبر القوى المحرضة للجهود الفردية والجماعية. القوى الإيمانية مكونة من خلال الخضوع لأساطير قوية جدا تستطيع ألا تخضع للعقل. تاريخ الإنسانية هو تاريخ لهذه القوى الإيمانية. فشعب ما يكبر عندما يمتلك أساطير إيمانية أو معتقدات دينية أو سياسية تستطيع تحرض أو دفع جهوده.ويتراجع هذا الشعب عندما قوة معتقداته السياسية أو الإيمانية تشحب ويصيبها التعب.
فالتأثيرات الإيمانية تشكل جزءا من القوى العقلية الغير معروفة و التي العلوم مفتونة بدراستها. هذه القوى لا يمكن تصنيفها لا داخل الظواهر الفكرية ولا داخل الظواهر الوجدانية العاطفية، بل يجب اعتبارها كحالة سيكولوجية خاصة تشبه قليلا ما ينتج عن القوى التي نسميها مغناطيسية. فالشيء الممغنط يقع،كما نعرف، تحت السيطرة المطلقة لممغنطه. ومعتقد ينتج التأثيرات التي تشبه عملية المغنطة،لكن الفترة الزمنية تكون ممتدة أطول أو أكثر.
رابعا ـ المعتقدات الإيمانية في شكلها السياسي. عندما شعر الإنسان أن حماية الله له،حتى ولو كان يقوم بالصلات دائما، غير مضمونة،فإنه بدأ في البحث عن آمال أخرى. اعتقد أنه يمكن أن يجدها في أوهام اجتماعية و سياسية. وسلطة العديد من النماذج السياسية ذات الطابع الديني هي في بعض الأحيان أكثر كبرا من الدينية نفسها، ولكن بشكل عام لا تستمر طويلا مثلها. هذه المعتقدات الدينية تؤدي لولادة نفس الآمال والمشاعر، تخلق أجواء عدم التسامح كما الأديان نفسها، ثم يكون لها دعاية تشبه كثيرا الدعايات الدينية.
المعتقدات السياسية ذات الطابع الديني تعطي من يتبناها قوة كبيرة كما الدين نفسه. والتاريخ يحتوي على الأمثلة الكثيرة. من بين هذه المعتقدات يمكن أن نذكر أيضا ( آمال بعض الشعوب بالوحدة، بالتفوق، التصاقها بتاريخها... ونذكر أيضا الشيوعية و الماركسية، الأحزاب الدينية ). إن مفهوم الموازنة بين المعتقدات السياسية الجديدة و المعتقدات الدينية القديمة هو في غاية الأهمية.فمفهوم الموازنة وحده يمكن أن يبين الدعاية للعديد من الحركات السياسية المعاصرة. ورغم الاتجاه العام في تبديلها بمعتقدات سياسية متعددة، المعتقدات الدينية القديمة تلعب دائما دورا هاما في الحياة السياسية للشعوب.
وفي ختام هذه الفقرة نقول: إن المعارف العلمية غيرت بشكل عميق الجانب المادي من الحضارات، ولكن المعتقدات الإيمانية، مهما كانت دينية أم سياسية، بقيت حتى اليوم الوحيدة التي باستطاعتها خلق مجتمع من المشاعر و الأفكار الضرورية لاستقرار الشخصيات الجماعية. وسيبقى الحوار أو الصراع بين الواقعي وغير الواقعي قائما جميع الحضارات.
خامسا ـ العادات، الأخلاق، التعليم. مهما كانت الأسباب الأولى لتطور شعب معين:سياسية،دينية أو اقتصادية، فإنها لا تتفاعل وتنتج بشكل يجعلها تؤدي إلى التغيير أو التحول إلا عندما تتحول إلى عادات وتقاليد.العادات لها تأثيرا لا يقاوم، لأن الفرد الذي يحاول التخلص من هذه العادات سيتحول خلال فترة وجيزة إلى عدو للجماعة التي ينتمي إليها. | |
|