قول في الربا
رأي للمناقشة
داود سلمان الشويلي
ازدادت حاجة الناس في عصرنا الى رأس المال بعد ان زادت حاجتهم الى السلع المعمرة والمستهلكة ، والمساكن اللائقة ، وغير ذلك ، مع غلاء اثمانها مقابل قلة المداخيل ، فتوجهوا الى القرض والتسليف، ان كان هذا القرض من مؤسسات حكومية او اهلية ،او من الافراد، وهذا لا يعني ان عصرنا قد اتصف بهذه الصفة ، وانما كان ذلك قد حدث في العصور السابقة منذ نشأة التداول السلعي، الا ان الحاجة قد اصبحت ملحة الان ، حتى بات رجال الدين ، او من كان لهم الحق بالافتاء الشرعي ، امام سؤال شرعي موجه اليهم ،يتركز حول : شرعية استلام السلفة ، والقرض العقاري ، وقرض فتح المشاريع الصناعية او التجارية او الزراعية ، والممنوحة – كلها - من قبل المؤسسات الحكومية او الاهلية او من الافراد.
وكل تلك السلف والقروض هي ربوية حسب المفهوم الشرعي الذي تعلمناه.
اي امام الناس امرين لا ثالث لهما ، او كما قال القائد العربي طارق بن زياد لجيشه : امامكم الاعداء وخلفكم البحر ، احدهما:
حاجة الناس الى ان يحيوا حياة سعيدة شريفة لائقة ،بوجود:
- مسكن لائق .
- مشروع تجاري او صناعي او زراعي يعيش من ارباحه لمن لا يكون موظفا.
والامر الثاني ، وهو حالة السبيل الى حل تلك الاحتياجات:
- سلفة او قرض بربح معقول ومريح ولفترات زمنية طويلة .
نتساءل: ايهما افضل – مثلا - ان يسكن الانسان وعائلته في مسكن غير لائق ، وربما مؤجر ينهك جل موارده الشهرية، او ان يقترض مالا (بربح مريح) لبناء مسكن لائق يسدده خلال فترة زمنية طويلة ، بربح معقول ؟
والقول نفسه ينطبق على المشاريع كافة.
ومن المعلوم ان الدين قد جاء – من ضمن ما جاء به - لييسر الامور الحياتية على الناس ولا يعسرها، وفي السلف والقروض المنظمة تلك يسر للناس كثير، ليعيشوا في امان وسعادة .
واذا كانت الحياة الاقتصادية قبل نزول الوحي غير منظمة ، وغير محكومة بالادارة وقوانينها ، وبعض الافراد كانوا هم اصحاب رؤوس المال وهم المقرضون ، حتي وصل الحال بالناس المحتاجين الى بيع ابنائهم ، او تسديد الدين بهم ، او قتلهم من املاق ... الخ .
اذ يذكر الطبري في تفسيره (4 : 120) حالة من الحالات التي يؤول اليها الربا ، يقول: (( سمعت ابن زيد يقول في قوله : لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة، قال : كان أبي يقول : إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن ، يكون للرجل فضل دين ، فيأتيه إذا حل الاجل ، فيقول له : تقضيني أو تزيدني ؟ فإن كان عنده شئ يقضيه قضى ، وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك ، إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية ، ثم حقة ، ثم جذعة ثم رباعيا ، ثم هكذا إلى فوق، وفي العين يأتيه ، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل ، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضا ، فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين ، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة ، يضعفها له كل سنة ، أو يقضيه، قال : فهذا قوله : لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة )).
إذن امام من بيدهم حق الافتاء الشرعي ان يقرأوا تشريعات القرآن الكريم قراءة جديدة – دون الخروج عن الشرع الالهي – ليسهلوا امور الناس ، ليعيشوا عيشة سعيدة رغيدة انسانية لائقة شريفة .
وفي هذه السطور اقدم احدى القراءات الجديدة لايات القرآن الكريم التي خرجت بفهم جديد غير الفهم الذي خرج به مفسري القرآن الكريم قبل الف واربعمائة سنة ، في زمن غير الزمن الذي نعيشه الان ، وظروف اقتصادية غير الظروف التي نعيشها الان ، وكثرت حاجات ومتطلبات الانسان الضرورية ،هذه القراءة هي للمفكر الاسلامي الدكتور محمد شحرور في كتابه ( اصول جديدة للفقه الاسلامي) ، قال:
((إن الربا المحرم هو ربا الصدقات، لأن أصحاب الصدقات يأخذون المال كصدقة لاترد، أو كقرض حسن دون فائدة لمدة مفتوحة للسداد، وهو ما نطلق عليه القرض الاستهلاكي الذي يعطى لمستحقي الصدقات، إما بدون مقابل أو بدون فائدة. ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) البقرة 280. أما قروض غير أصحاب الصدقات (وهو ما نطلق عليه القرض الاستثماري الذي يعطى لغير مستحقي الصدقات من زراعيين وصناعيين وتجاريين) من أول الحصول عليها حتى سدادها، فلا يجوز أن يتجاوز مجمل فوائدها الضعف ( ياأيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة)آل عمران 130.
ولكن لماذا قال تعالى(أحل الله البيع وحرم الربا( البقرة 275. مع أن البيع حلال في الأصل ولم يكن حراماً قبل نزول الآية؟ ويتضح الجواب حين نربط تحريم الربا في البقرة 275 بمحقه في البقرة 276، ونفهم أن الربا المقصود تحريمه هو ربا الصدقات كما أسلفنا، وبالتالي فالبيع لأصحاب الصدقات حلال، لأن البيع عموماً فيه ربح (فضل قيمة)، والربا فيه فائدة ( فضل قيمة( .
أي:
1 - إعطاء أصحاب الصدقات قرضاً بفائدة مهما كان نوعها حرام ( حرم الربا).
2 - بيع أصحاب الصدقات بربح، هذا حلال (أحل البيع).
أما العلاقة بين الربا والصدقات فقد نبهنا إليها سبحانه في سورة البقرة 276، مباشرة بعد تحليل البيع وتحريم الربا في البقرة 275، لنفهم أي بيع هو الحلال، وأي ربا هو الحرام. ولو لم تكن ثمة علاقة قادتنا إلى قول ما قلناه، لما بقي معنى لتحليل البيع عموماً لكل أهل الأرض، وهو حلال لم يسبق تحريمه بالأصل. ولو أنه سبحانه لم ينبه إلى حلالية البيع لأصحاب الصدقات والربح منهم، لالتبس الأمر، وتعرقلت عملية البيع والشراء في المجتمع، إذ سيترتب على كل بائع أن يفرز المشترين ليعرف أصحاب الصدقات من بينهم فيبيعهم بسعر الكلفة، وهذا مستحيل.
لكن هذا التنبيه منه تعالى رفع الالتباس، وأشار إلى أن الناس في ربح البيع الحلال سواء، بمن فيهم أصحاب الصدقات، وإلى أن على دافعي هذه الصدقات أداء صدقاتهم بشكل منفصل عن البيع، ويمكن أن تكون عينية أو نقدية، ولهذا فقد أفرد تعالى في مصارف الصدقات بنداً للعاملين عليها، أي أن هناك أفراداً ومؤسسات تقوم على جمع الصدقات وإنفاقها كالمياتم والجمعيات الخيرية ودور العجزة والمعوقين وغيرهم، وهذا بالفعل ما يقوم به معظم أهل الأرض بفطرتهم الإنسانية.)).
تنتظر الدراسة اراء من يريد ان يبدي رأيه في هذه افكار المطروحة.
الاثنين، 07 شباط، 2011