قراءات في قصائد عربية قديمة
داود سلمان الشويلي
(( ابيت ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم ))
هذا ما قاله الشاعر العربي العظيم ( المتنبي ) عن شعره 000 ويمكن ان يقال عن الكثير من قصائد الشعراء العرب 0
ان سهر ( الخلق ) واختصامهم في شعر المتنبي ، يمكن ان يتعداه الى شعر غيره ، لا للاختصام فيه ، او لنقده ، او معرفة محموده من مذمومه ، وانما لما تطرحه بعض القصائد من ( ظلال ) تجعل هذا (الخلق ) في ذلك الزمان ، وفي أي زمان يحتكم الى نفسه اوالى غيره لـ ( جلاء ) تلك (الظلال ) ، و( الظلال ) هذه يمكن ان نطلق عليها مصطلح ( ميتا القصيدة ) او ما بعد القصيدة 0
في هذه السطور سنتناول بعض ما قاله ( بعض )الشعراء في قصائد تترك عندالسامع ( ظلالا ) تجعله ( يسهر جراها ) ولا اقول ( يختصم ) معها او مع الاخرين ، بل هو يختصم مع نفسه وهو يسلط الاضواء ليجلو ما في القصيدة من امور خفية 0
*** ***
1- الاعشى وتعالق الحب
كيف يكون حب المحبين ، هل هو حب ( توازي ) ام حب ( توالي ) ؟ وعذرا من علم الكهرباء 000 هل هو بالاصالة ، ام هو حب بالانابة ؟ وعذرا من رجال القانون 000 هل هو حب من طرف واحد ام هو حب الطرف الى الطرف الاخر انجذابا كانجذاب قطبي المغناطيس ؟ وعذرا من علم المغناطيسية 0
اسئلة كثيرة تقف امام قاريء معلقة ( الاعشى ميمون ) التي يبدأها بقوله :
ودع هريرة ان الركب مرتحل وهل تطيق وداعا ايها الرجل
ان قاريء هذا البيت وقلبه ممتليء بالحب ، سيجيب – حتما – بالنفي 0 اذ كيف يطيق – مثل هذا المحب او ذاك – وداع حبيبته ؟ الا ان القصيدة تقول غير ذلك ، ذلك لان الراوي ( = الشاعر = المحب ) لم يكن حبه كاملا ، ولم تكن له حبيبة تبادله الحب ، وانما كان حبه بالنيابة ، أي لم يكن حبا بالاصالة ، ولكي لا نجني على احد شعراء المعلقات العشر ( او السبع ) بعد اكثر من 1600 عاما مضت ، نرجيء الاجابة القاطعة بعد قراء تنا لبعض ابيات معلقة ( الاعشى ) ، والتي يصف فيها تعلق قلبه بمن (يحب ) :
علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلق اخرى غيرها الرجل
وعـلقته فـتاة مــــا يحاولها ومن بني عـمها ميت بــها وهــل
وعلقتني اخيرى ما تلائمني فاجتمع الحب حب كــله تبــــــل
قبل ان نقول شيئا ، نذكر ان ( ام جليد ) هي نفسها (( هريرة )) التي يزعم الشاعر انه يحبها ، فودعها في بداية معلقته ، فهل كانت حقا حبيبته ، أي هل كانت تبادله الحب ، واي حب هذا ؟
ارى ان خير اجابه على هذا التساؤل ، هو ان نضع مخططا لهذا الحب المتداخل ، المتوالي ، المتوازي 000 الخ 0( انظر المخطط – 1 - )
اين موقع الشاعر ( المحب ) من هريرة التي يحبها ويصد عن ( الأ ُخيرى ) فيما( هريرة ) لاتحبه ، وانما تحب رجلا آخر ؟
ان الرجل الاخر الذي تحبه ( هريرة ) كان هو الاخر غير معني بحبها ، وانما يحب فتاة ( آخرى ) وبنفس الوقت ، كانت هناك ( فتاة ) تحبه دون ان يعير أهمية لحبها 00 اما تلك( الفتاة ) فقد تعلق قلب ابن عمها بحبها دون ان تبادله هذا الحب 0
اذا ، من هو المعشوق بين كل هؤلاء ؟ هل هي هريرة ، ام الشاعر ؟
ان الترسيمة السابقة تبين لنا انه لا الشاعر ولا هريرة هما المعشوقان بين كل هؤلاء ، وانما هو الرجل الذي لا نعرف عنه شيئا ، ان نصيبه من الحب ( المشتبك ) هذا نقطتين ، فهريرة تحبه ، والفتاة الاخرى ، التي تعلق قلبها به 0
اما هريرة ، والشاعر نفسه ، فقد حصل كل واحد منهما على نقطة واحدة 0
ان الاعشى قد بين في قصيدته هذه انواعا من علاقات الحب 00
النوع الاول هو حب الرجل للمرأة ، مثل حب الشاعر لهريرة وحب الرجل للــ ( اخرى ) وحب ابن العم للفتاة 0
والنوع الثاني حب الــــ ( اخيرى ) للشاعر ، كحب هريرة للرجل ، وحب الفتاة للرجل 0
اما النوع الثالث ، فهو علاقة الحب الموهوم ، وهو حب الرجل لــ ( الاخرى ) التي لا تعرف عن هذا الحب شيئا ، فظلت بعيدة عن جميع هذا العلاقات 0 لكنها تبقى في النهاية الفائزة الاولى في شبكة علاقات الحب هذه ، لان جميع ( سيول ) الحب التي تصب في مجرى ( الرجل ) تعطيه زخماً قوياً لكي يحب هذه الــ ( اخرى ) ،اما الخاسر الوحيد في كل هذا هو ابن عم الفتاة ذلك الــ ( ميت بها وهل ) اذ انه اعطى من حبه لأبنة عمه دون ان تعطيه هي او أي فتاة أخرى شيئاً من الحب 0
فاي علاقات حب هذه ؟ أي مكسب سيجنيه القلب ، أو الروح من كل هذه العلاقات ؟ 0
هل كان لوم الشاعر لـــ ( هريرة ) عندما صدته لوما ( في مكانه ) كما يقال ؟
ترى هذه السطور ، ان الإجابة هي بالنفي ، لان هريرة ليست الفتاة الوحيدة من بين فتيات هذه الشبكة التي صدت من تحب 0 اذ ان الجميع كانوا يصدون ( بوعي او بدونه) من يحب 00 وتبقى هذه ( الأخرى ) مرفوعة الرأس ، وأنفها شامخ بتكبر وإصرار 00 وليذهب الجميع إلى الجحيم 0
*** ***
ليست خارج السياق :
واستطرادا مع حديث التعالق ، يذكر الجاحظ في ( المحاسن والاضداد ) : (( قيل : ولما استوثق امر العراق لعبد الله بن الزبير ، وجه مصعب اليه وفداً ، فلما قدموا عليه ، قال لهم : وددت ان لي بكل خمسة منكم رجلاً من اهل الشام 0 فقال رجل من اهل العراق : يا امير المؤمنين علقناك ، وعلقت بأهل الشام ، وعلق اهل الشام بآل مروان ، فما اعرف لنا مثلاً الا قول الاعشى :
علقتها عرضاً وعلقت رجلاً غيري وعلق اخرى غيرها الرجل
فما وجدنا جواباً احسن من هذا 0 )) (1) 0
وذكروا ان الاخطل كانت عنده امرأة ، وكان بها معجباً ، فطلقها وتزوج بمطلقة رجل من بني تغلب ، وكانت بالتغلبي معجبة فبينا هي ذات يوم جالسة مع الاخطل ، اذ ذكرت زوجها الاول ، فتنفست الصعداء ، ثم ذرفت دموعها ، فعرف الاخطل ما بها ، فذكر امرأته الاولى ، وانشأ يقول : ( 2 )
كــلانا عـــلى وجــــد يبيت كـــــأنما بجنبيه من مس الفراش قروح
على زوجها الماضي تنوح وزوجها عــلى الطلة الاولـى كذاك ينوح
اما ليلى الاخيلية ، فأنها تقول لصاحبها توبة الحميري :
وذي حاجةٍ قلنا له لا تبح بــها فليس الـــــيها ما حييت سبيل
لنا صاحبٌ لا ينبغي ان نخونه وانت لاخرى صاحب وخـــليل ( 3 )
ويوجز المنخل اليشكري هذه العلاقة كما هي بينه وبين محبوبته او بين بعيره وناقتها قائلاً :
واحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري
الا ان عروة بن حزام العذري ، يجد تعارضا ً بين وجهته وبين وجهة ناقته لتعارض مكان محبوب كل واحد منهما 0 فبينما كان هو يغذ راحته بأتجاه محبوبته ، يجد ان ( هوى) راحلته قد ابتعد كلما تقدمت به هذه الراحلة الى محبوبته 0
يقول :
هـوى ناقتي خلفي وقدّامي الهوى وانــــــــي واياها لمختلفان
فأن تحملي شوقي وشوقك تفدحي وما بك بالحمل الثقيل يدان (4 )
***
2 - ابو نواس والكرم الحاتمي:
صحيح ان ( الاحتكار ) كمصطلح وكمفهوم يعود الى علم الاقتصاد ، وهو ظاهرة اقتصادية مذمومة ان لم نقل انها تعتبر جريمة اقتصادية يعاقب عليهاالقانون 0 الا ان ( ابو نواس ) الشاعر المعروف بقصائده الغزلية وخمريتاته ، قد جعل من نفسه محتكرا في الحب0
يقول ابن حزم الاندلسي في احتكار الحب :
وددت بــأن القلب شـــــق بمدية وادخلت فيه ثم اطبق في صدري
فاصبحت فيه لا تحلين غـــــــيره الى منقضى يوم القيامة والحشر
تعيشين فيه ما حييت ، فان أمت سكنت شغاف القلب في ظلم القبر ( 5 )
من اين اتت للشاعر هذه الطبيعة الجشعة التي يمتاز بها بلا فخر بعض تجارنا 00 وكيف يكون المحب بهذه الدرجة من الاحتكار الموصلة الى الهلاك ؟ هل كان ابن حزم قد جرب الحب حقيقة ؟ ام انه كتب دون تجربة ؟
لا اريد ان اجيب عن هذا السؤال ، لان ( ابي نواس ) كان هو الاخر محتكرا في حبه ، على الرغم من هذا التساهل الذي ابداه ، ودون ان نعرف مصدره ، فهل هو الخوف على قلب ( المحب )ام انه الخوف على من يحب ، ام الخوف من الله؟ ام هو كرم بخيل ليس الا؟
وتذكر الاخبار ان ابا نواس قد احب ( جنان ) وهي جارية عمّارة بنت عبد الوهاب الثقفي ، وقد وصفها مرة (( وقد ذهبت الى عرس فكان جمالها سبباً في انصراف الحضور عن العروس اليها )) 0 ( 6 )
شهدت جـــلوة العروس جنانٌ فأستمالت بحسنها الـــنظارة
حسبوها العروس حين رأوها فأليها دون العروس الاشارة
قال اهل العروس حين رأوها مـــــا دهانا بها سوى عمارة
لنقرأ ما قاله عن حبه لجاريته ( جنان ) :
جنان حصلت قــلبي فـما ان فيه من باق
لها الثلثان من قلبي وثلثا ثلثه الباقـــــي
وثلثا ثلث ما يبقــى وثلث الثلث للساقي
فيبقى اسهم ســــت تـجـزأ بـين عــشاق
قبل ان نقول شيئا ، علينا تقديم ايات الشكر والتقدير لهذا الكرم ( الحاتمي ) الذي ابداه الشاعر لعشاق ( جنان ) ولكن من اين نعرف القيمة الحقيقية لهذه الاسهم الست ، لكي نشكر ابو نواس على كرمه ( الحاتمي ) هذا؟
واين يمكن تصريف هذه الاسهم ؟ هل تصرف في مصرف الاستثمار ، ام في مصرف الائتمان ، ام في مصرف الرشيد ، ام الرافدين ، ام في سوق الاوراق المالية في بغداد ؟
ستسعفنا الحاسبات الالكترونية لحل هذا اللغز ، ولنتعرف على هذه القيمة التي ( تفضّل ) بها ابو نواس على عشاق ( جنان ) ( المساكين ) :
أ - / لنفترض ان قلب ابو نواس = س ، وقد قسمة هكذا 0
1- لها الثلثان من قلبي = 2 / 3س
2- وثلثا ثلثه الباقي = 2/ 3 × 1/ 3س
اذن ، المجموع يكون = 2/ 3+ ( 2/ 3 ×1/ 3 ) = 2/ 3 + 2/ 9=8 / 9
3- فماذا بقي من قلب ابي نواس :
الجواب : 1- 8 /9 = ( 9- 8 ) / 9 = 1 / 9
فهل يكتفي ابو نواس بذلك ، ام انه ما زال بخيلا ، محتكرا 0
ب – وثلثا ثلث ما يبقى =
1- ان ثلث ما يبقى = 1/ 3× 1 / 9= 1/ 27
2- فماذا يريد به ؟
انه يريد ثلثي هذا الباقي =
2/ 3 × 1 / 27 = 2 / 81
جـ – ماهي حصة جنان من قلب ابي نواس ؟
8/9 + 2/81 = (72 + 2 )/ 81 = 74 / 81 هذه هي حصة جنان 0
د – اما حصة الساقي الذي لم ينسه ابو نواس فهي = ثلث الثلث وتساوي
1 / 3 × ( 1 / 3 × 1 / 9 ) = 1 / 81
هـ - ان حصة جنان وحصة الساقي = 74 / 81 + 1/ 81 = 75 / 81
و – اما حصة العشاق ، فهي =
1 – 75 / 81 = ( 81 – 75 ) / 81 = 6 / 81 = 74 0 ر0 من قلب ابو نواس لا غير 0
كم هو كريم هذا الشاعر ؟ وكم كان العشاق قانعين بهذه القسمة 0
*** ***
ليست خارج السياق :
ويصور لنا النابغة الذبياني في قصيدة له ذكاء فتاة الحي ( وقيل انها زرقاء اليمامة ) فيقول :
فأحكم كحكم فتاة الحــــي اذ نظرت الــــــى حــمام شراعٍ وارد الثمدِ
يحـــفه جــــانباً نـــــــــــيقٍ ويتبعه مثل الزجاجة لم تكحل من الرمـد
قالت : الا ليتما هــذا الحـــــمام لنا الــــــــتى حـمامتنا او نصفه فـقد
فكملت مـــــائة ً فــــــــيها حمامتها واسرعت حِـسبة ً في ذلك العـدد
ولو حولنا هذا القول الى مسألة جبرية فأن حساب فتاة الحي سنجده صحيحاً :
الحل :
نفرض ان مجموع الحمام الذي رأته الفتاة = س
1
اذن : 100 = س + ---- س +1
2
س
100 = س +---- + 1
2
2س + س + 2 3س + 2
100 =------------------ = -----------
2 2
اذن 100 X 2 = 3س + 2
200 – 2 = 3س
198 = 3س
198
اذن س = ------- = 66
3
وهو مجموع الحمام الذي رأته الفتاة 0 ونصفه = 33 ، فيكون المجموع = 99 وتضيف هي حمامتها ، فيصبح المجموع = 100 0
اما العباس بن الاحنف ، فقد وزع قلبه بين حبيباته ، فقال :
انــــني ودعـــــــت قلباً طائــعاً بين " سحرٍ" و"ضياءٍ" و خُنُث"
يتنازعن الهوى عن ذي هـوى آمــــنات عـــــــــــــــهدهُ لا ينتكث
واذا "سحر" اتت زائـــــرةً كشفت رؤيةُ "ســــــحر" كل بث
وا بنفسي من حبيبٍ زائــــــــرٍ غــــــير مملول عـــلى طول اللبث ( 7 )
***
3 - جميل بثينة ونظرية الانعكاس الضوئي:
من اجمل قصص الحب ، قصة حب جميل لابنة عمه ( بثينة ) ، واذ هي لا تخرج عن الاطار العام لقصص الحب العذري الاخرى ، كقصة المجنون وليلى ، الا ان ما رافقها من شعر صوّر هذه العلاقة في صور شتى جعلها من اندر قصص الحب العذري0
في هذه السطور سنقف وقفة سريعة على بعض ما احاط شعر جميل الذي قاله عن حبه لمحبوبته ( بثينة ) من ( ظلال ) 0
نظرية الانعكاس :
لا نقصد بهذه النظرية ، النظرية الماركسية حول كون الادب ، هو انعكاس للتحولات الاجتماعية ، أي انعكاس للواقع ، وانما نقصد : نظرية الانعكاس الضوئي الفيزيائية ، والتي تقول : ان الانعكاس هو ( ظاهرة ارتداد الضوء الساقط على جسم الى الوسط نفسه الذي قدم منه ) 0
قال الشاعر جميل ، وهو يقف وحيدا في الصحراء ، وربما في داره او في أي مكان اخر ، وهو يرنو الى صفحة السماء ، علّ نظره يلتقي نظر ( بثينة ) على صفحة السماء :
اقلب طرفي في السماء لعله يوافق طرفي طرفها حين ينظر
هنا يفترض جميل ان ( بثينة ) نفسها تقوم بالعمل نفسه في الوقت ذاته ، او في اقل تقدير ( طرفها ) الذي :
فما سرت من ميل ولا سرت ليلة من الدهر ، الا اعتادني منك طائف
ولنفترض ان ( بثينة ) كانت تقف في المكان ( أ ) ويقف جميل في المكان ( ب ) فان انعكاس شعاع نظريهما ( طرفيهما ) على صفحة السماء سيجعله – حتما –يلتقي بـ ( طرفها ) ومن ثم ( طيفها ) 0 ( انظر الشكل – 2 - ) 0
ولا نريد هنا ان نقول كيف تسنى لجميل ان يهتدي لنظرية الانعكاس الضوئي 00 لكن تجربة ( الحب ) والحب العذري خاصة ، وتجربة جميل مع ( بثينة ) على وجه الخصوص ، قد جعلته يهتدي ( شعريا ووجدانيا ) الى هذه النظرية / الظاهرة 00 ليطبقها على نفسه وعلى حبيبته ، والحاجة ام الاختراع 0
الحب العذري :
لنفترض ان الاثنين كانا في الوقت نفسه ينظران الى السماء ، وكان الوقت ليلا ( وقت المحبين المفترقين ) وانهما قد نظرا الى نقطة محددة فيها ، ولتكن نجمة ما ، فيلتقي فيها (طرفيهما )، أي انهما يلتقيان في المطلق اللانهائي ، ذلك لان حب جميل لـ ( بثينة ) ليس حبا بشريا ، وانما هو حب الهي ، كان قبل ان يولدا ، وسيبقى بعد مماتهما ، فها هو يخاطب من لامه على حبها قائلا :
فقلت له : فيما قضى الله ما ترى علي ، وهل فيما قضى الله من رد ؟
فأن يك رشدا حبها او غوايــــــة فقد جنته ، ما كان مني على عمد
فقد جد ميثاق الا لــــــــــه بحبها ومـــا للـذي لا يتقي الله من عــهد
تعـلق روحي روحها قبل خـلـقـنا ومن بعــد ما كنا نطافا وفي المهد
فــــزاد كما زدنا، فـــاصبح ناميا وليس اذا مـتنا بمـنـتـقـض العـهد
ولكنه بـــــــاق عــلى كل حـــالة وزائــرنا فـي ظـلمة القبر واللـحد
هل كان جميل يحب فتاة بشرية ؟ اقصد هل كان جميل يرى في ( بثينة ) صورة المرأة / الانثى / المحبوبة ؟ ام انه يرى فيها صورة اخرى ؟
يقول في قصيدة اخرى :
يكاد فضيض الماء يخدش جلدها اذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
هل هذا الوصف ينطبق على مخلوق ارضي ( بشري ) ام انه ينطبق على مخلوق سماوي ؟ فهو لا يلتقي مع محبوبته الا على صفحة السماء ، ولم تتعلق روحيهما على اديم الارض ، وانما تعلقا قبل ان يخلقا 00 فاين كانت روحيهما ؟ ((يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا ))0 (الاسراء /85 ) .
واذا كان حبهما قد بدأ قبل ان تخلق ارواحهما ، فهل ينتهي حبهما بموتهما ؟
يجيب جميل عن هذا التساؤل قائلا :
بهواك ، ما عشت والفؤاد فأن امت يتبع صداي صداك بين القبر
ان زمن حبهما ، زمن غير متناه ، فاذا كان الحب هذا ، ولنقل انه الهوى ، لشفافية الكلمة ، قد بدء قبل الخلق ، وسيبقى بعد المماة ، فان الـ ( هوى ) هذا ، هوى غير مادي ، غير محسوس ، انه حب سماوي ، الهي 0
*** **
ليست خارج السياق :
يقول النابغة الذبياني في احدى قصائده :
اقولُ والنجمُ قــــــــــد مالتْ أواخره الــــــى المغيبِ تثبت نظرة ً حار ِ
المحة ٌمن سنا برق ٍ رأى بصري ام وجه ُ نعم ٍ بدا لي ام سنا نار
بل وجه ُ نعم ٍ بـــــدا والليلُ معتكرٌ فلاحَ مــــــــن بين اثوابٍ واستار
شكل رقم –1-
الشعاع الساقط الشعاع المنعكس
السطح العاكس
مكان وقوف جميل مكان وقوف بثينة
شكل رقم – 2 –
المراجع والمصادر :
1 - موجز المحاسن والاضداد – الجاحظ – كتاب الهلال – ‘ / 298 – ب0ت0
2 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – د0 مصطفى الشكعة – دار العلم للملايين – بيروت – ط2 – 1975 0
3 – طوق الحمامة في الالفة والالاف – ابن حزم الاندلسي – تح : صلاح الدين القاسمي – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1986 0
4 – النظام في شعر المتنبي وابي تمام – ابو البركات شرف الدين المبارك المعروف بـابن المستوفي – ج6 – تح : د0 خلف رشيد نعمان – سلسلة خزانة التراث – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1995 0
5 – الابيات الشعرية التي لم تثبت لها مصادر مأخوذة من القرص الليزري الشعر ديوان العرب – الاصدار 2,0 – الاشراف العام : محمد احمد السويدي – ابو ظبي – الامارات العربية المتحدة – 1997 – 2001 0
الهوامش :
1 – موجز المحاسن والاضداد – 27 0
2 – المصدر السابق – 136 0
3 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 455 0
4 – النظام في شرح شعر المتنبي وابي تمام –
5 – طوق الحمامة – 139 0
6 – الشعر والشعراء في العصر العباسي – 279 0
7 – المصدر السابق – 356 0