رشيد مجيد ... انساناً وشاعراً - ودراسات اخرى/ ج2
داود سلمان الشويلي
اب / 2006
-----------------------------
ظواهر معنوية في شعر رشيد مجيد
المرأة – الحبيبة
بين عذرية الحب وحسية الخطاب الشعري
- مقتربات اولية -
8 / 5 / 1994
مقدمة :
يشكل الشاعر رشيد مجيد (1) ظاهرة شعرية فريدة من نوعها 000 فهو شاعر بعيد عن الاضواء - خاصة - في السنوات الاخيرة ، على الرغم من غزارة انتاجه الشعري ، وكذلك فأن روح الشباب التي يعيشها شعرا وحياة ما زالت متوهجة ، متألقة ، على الرغم من مرض القلب 0
قبل كل شيء ، يجب التنويه الى ان المادة الاساسية لهذا البحث هو مجاميعه الشعرية الستةالمنشورة فقط 0 )2)
واذ تتعدد الظواهر المعنوية التي يفرزها الخطاب الشعري للشاعر رشيد مجيد ، فأنها ستكون في هذا البحث قليلة جدا ، ذلك لان المادة الشعرية التي اعتمدها البحثص كمرجعية اساسية قليلة جدا كما نوهت سابقا 0
ان قاري شعر رشيد مجيد بمقدوره ان يفرز الكثير من الظواهر المعنوية التي احتواها خطابه الشعري ، منها :
1 - موقف الشاعر من الله 0
2- موقف الشاعر من الزمن (العمر خاصة )0
3 - موقف الشاعر من الموت (رثاء الاخرين / رثاء النفس)0
4 - موقف الشاعر من المدينة 0
5 - موقف الشاعر من الحب (المرأة / الحبيبة)0
واذ يطول الحديث عن كل ذلك ، فأن هذه السطور ستعني اساسا بما يفرزه الخطاب الشعري للشاعر في مجاميعه المطبوعة عن موقفه من المرأة 0
***
موقف الشاعر من الحب
المرأة / الحبيبة:
تأخذ المرأة عند الشاعر رشيد مجيد حضورا شاملا وكليا ، ليس على مساحة شعره فحب ، بل وفي تفكيره وسلوكه الحياتيين ، وهذا الحضور الواسع للمرأة ، على الرغم المساحة الصغيرة التي شغلها في مجاميعه الست المطبوعة المنشورة(3) ، فأنها تشكل ظاهرة بارزة في شعره 0
ان ظاهرة حضور المرأة في خطابه الشعري ، تأخذ فرادتها من كونها :
1 - ان المرأة عند الشاعر ، هي : الحبيبة // المعشوقة فقط ، ولا وجود لاي صنف اخر عنده 000 حيث ان بنية الحب / العشق ، تتشكل بين الشاعر والمرأة فقط دون سواها من البنى ، ويكون الخطاب الشعري عند ذاك موجها اساسا اليها ، حيث يفتقر الى وجود المرأة / الام ، المرأة / الابنة ، المرأة / الاخرى 0 (4)
2 - ان العلاقة التي تربط الشاعر بالمرأة حياتيا ، هي علاقة يمكن وصفها بانها علاقة عذرية ،لان مثل هذه العلاقة ، والتي اكدها الشاعر في حديث خاص معي (5 )، هي المهيمن الكبير على حبه للمرأة خارج النسق الشعري ، ولاشي غير ذلك0
ان الحب عند الشاعر - في الواقع - هو حب روحي ، استجابة روحية بين (روحين) احداهما ذكرية ، والاخرى انثوية ، الى بعضهما ، فتصبح الروح عند ذلك واحدة في جسدين 0
3 - رغم عذرية الحب ، وافلاطونية العلاقة ، الا ان الشاعر يجعل من خطابه الشعري موجها - اساسا - الى وصف ما هو حسي ، فيقع التناقض بين هذا الخطاب وما هو خارجه في حياة الشاعر المعاشة ، فتأخذ النظرة - ذات الطابع الحسي للمرأة - مساحة واسعة من ذلك الوصف ، عندها ينتقل ذلك الحب العذري وتلك العلاقة الافلاطونية من خطاب الروح الى خطاب الجسد ، وتتحول بنية العلاقة من بنية روحية الى بنية حسية / جسدية 0
ان التناقض هذا ، مرده الى ذلك التعفف الذي يبديه الشاعر امام المرأة / الحبيبة (المعشوقة) ، حيث تسكت جميع الحواس امام تلك المرأة سوى حاسة البصر التي تطوف على الوجه المليح ، والقد المياس ، والبسمة الفاتنة ، عند انتهاء لحظة المواجهة الروحية هذه ، تأخذ باقي الحواس بالعمل ، ليس على جسد المرأة الحقيقي ، بل فيما هو متخيل ، وما هو متخيل ينتقل مباشرة الى الخطاب الشعري ، الى كلمات وجمل وقافية وبحور شعرية (6) على الرغم من قوله :
* اني لا املك طهر القديسين 000 ولا مارست احابيل الشيطان
ولكي نكون اكثر قربا مما قلناه سابقا ، فأن متفحص مجاميع الشاعر الستة المنشورة يجد الملاحظة الثانية ، لا يمكن الحديث عنها من خلال الخطاب الشعري ، لانها تعتمد على السلوك الاخلاقي الواقعي للشاعر في علاقته بالمرأة ، ولهذا فأن مثل هذه العلاقة ستقع خارج السياق الشعري ، ولا يمكن الركون اليها طالما ان الشاعر نفسه سيقصى من هذه السطور ونحن ندرس ظاهرة المرأة في خطابه الشعري 0
***
في قصيدة (الساعة الاخيرة) يفصح خطابها الشعري عن وقوف الشاعر امام المرأة/ المحبوبة ، او انها هي التي تقف امامه ، لتودعه بعد انتهاء علاقة الحب التي بينهما :
* وكما اشتهيتك000 اشتهي ايام تفترق الشجون (بوابة النسيان ص17)
ولو تفحصنا دلالات المفردة (اشتهيتك) قاموسيا ، لوجدناها تعني :(الشهوة) اكل ما هو مادي ، كالطعام (7) وامن رغب في النساء ، او شديد الرغبة في الملذات المادية (8)0
وكل هذه المعني تحيل الى دلالات حسية ، وان (الاشتهاء) يحيلنا الى فعل اخر بمدلول حسي ، هو (اللذة) ، واللذة لا تصاحب إلا ما هو مادي / حسي ، كما هي (الرغبة) التي يجيء بها الخطاب لنا بسياق حكائي :
* وكانت اميرتي معي
والشعر والاحلام ، والدنيا وما فيها معي ،
ولم نكن سوى غريبين اطلا ساعة على حلم
على جناحي رغبة
على ابتهالات نغم 0(لا كما تغرق المدن - ص81)
واذ يجد الشاعر نفسه امام محبوبته وجها لوجه ، فأن صوت المذياع يكون ثالثهم ، وكأنه الشيطان ، يدفع بهما الى :
* (فهات عينيك)
(هات يديك)
(يا اغلى من ايامي)0
واذ تقفل هي الباب امام الشاعر ، او انه هو الذي يقفل الباب بعد خروجها ، فأنه يطلب منها في قصيدة (بوابة النسيان) ان (تسمّر) باب الذكرى ، وتسد كل الكوى :
* سمري باب ذكرياتك 000 قد سمرت بابي 0 (بوابة النسيان - ص 30)
ولا يحيلنا الخطاب الشعري في هذه القصيدة مباشرة الى مبتغانا ، لان هناك ما هو مخفي خلف الكلمات ، حيث تتجلى الكثير من المعاني والدلالات ، ليس تأويلا ، او تفسيرا ، وانما تعرية من القشرة الخارجية التي حاول الخطاب الشعري عند الشاعر ان يغيبه من خلال اختيار نسق شعري مضلل 0
ها هو الخطاب الشعري يصف واحدة من الوقائع التي حدثت بين الشاعر و المرأة :
* لم يعد امسنا كأمس
ولا انت كانت التي ملكتُ هواها
لم تعد لهثة الشموع ، ولا صمت انتظاري
ولا احتراس خطاها
ولم تعد سكرة الجفون اذا ما
هموم النجم وارتخت عيناها 0 (بوابة النسيان - ص 28)
فإمتلاك الهوى ، ولهثة الشموع ، عند صمت الانتظار ، واقتراب الخطى من غرفة الشاعر بأحتراس ، ومن ثم (سكرة الجفون حين لا يهوم النجم) ثم (ارتخاء العيون) كل ذلك هو وصف لواقعة بين رجل وامرأة ، لكنها ليست واقعة بريئة ، لان رفع الغطاء الظاهري والبحث عن الدلالات الحسية لها ، سيكون مفيدا ، من حيث يجعل من لعبة التخفي التي حاول الشاعر في خطابه ان يلعبها فاشلة ولا جدوى منها0
الخطا الشعري في هذه القصيدة لا ينتهي عند هذا الحد ، وانما يكمل ما اراد ان يقوله :
* فما اقسى الليالي اذا استردت مداها
حسبها اننا التقينا كأن لم
تكن للامس عشرة ذقناها0 (بواة النسيان - ص31)
ولنضع خطا احمراتحت (عشرة ذقناها) ولنتساءل : ما الذي يبتغيه الشاعر من استرداد تلك الليالي ؟ اليس هو المذاق الحسي (للعشرة) ، اي للعلاقة الحسية ، لا الافلاطونية مع المرأة / المحبوبة / المعشوقة ؟
وعندما يصرخ الشاعر (غدا يطفأ مصباحي) امام الجميع - وليس امام محبوبته فقط- في قصيدة (جدار الصمت) فان انطفاء ذلك المصباح يحيل الى ان يكون خطاب الشاعر معنيا مدركات الحواس (الفم مع حلمة النهد) (الذراع مع الزند):
* فمي المفطوم سمراء وقد جف وزمت حلمة النهد
ذراعاي اذا ما استسلم القلب وهومت على زندي0 (بوبة النسيان - ص 107)
وكل ذلك يعيد الذكرى اليه بعد ان :
* فلا ليل ولا انثى يمران على دربي 0 (ص108)
فلا يستقيم الليل والمرأة في حب عذري تكون فيه مجسات الرجل المادية (الفم والذراعان) في اشتباك لذيذ مع مجسات المرأة / الحبيبة / المعشوقة (حلمة نهد)0
ان خطاب الشاعر ليس هو خطاب رومانسي - على الاقل فيما ينوء به ذلك الخطاب من ثقل قلبه المدمى بحدود الجسد الانثوي - انه خطاب من يفتتن بحدود الجسد الانثوي0
فالحب كعلاقة انسانية ، يبقى مصلوبا ، ما دام ينأى عما هو يجيش في الاعماق من احاسيس تحاول الانطلاق لتتفجر بواسطة مجسات الشاعر الحسية :
* دقات قلبينا ، وما يمارسانه على اعيننا
نحن تنكرنا لما يجيش في اعماقنا
نحن صلبنا حبنا00
نحن قتلناه ، قتلنا الرغبة الكبرى بنا،
مأساتنا يا قلب اننا نخبئالهوى عن بعضنا
نزوغ في قلوبنا 0 (وجه بلا هوية - ص48)
والتنكر لما يجيش في الاعماق معناه انكسار علاقة الحب وموتها ، لهذا فأن الخطاب الشعري يؤكد على عدم سوية هذه العلاقة ، مما يحيل الى طلب الانفصال :
* فقد يمر العمر كالحلم بنا
لا انت لي ، ولا انا
حتى، ولا هذا الذي نملك من ايامنا
ولتسلمي اميرتي ، لؤلؤتي
سمراء يا سيدتي 0 (وجه بلا هوية - ص51)
واذا كان الخطاب الشعري يجعل من هذه العلاقة ما هو خارج نسق العلاقة التي يرغب ، فأن الخطاب في قصيدة (الذي بين الفم والقبلة) يتخذ له نسقا مغايرا، هو النسق الذي يجعل من المجسات الحسية (المرسِلة) تلعب دورها مع المجسات الحسية (المستقبِلة) للمرأة ، وهذه المجسات هي (الشفتان) وفعلهما (التقبيل) ، حيث تحيل هذه العملية الى عمليات حسية / جنسية كثيرة 0
فالقبلة بين الشاعر وحبيبته تفعل الكثير ، انها تغيّر000 فهي (تدنس الاستار) وتجعل (الاحبار) يتوضؤونبالدم ، هكذا يعلن الخطاب الشعري 0
وان ما بين الشفاه وتلك القبلة ، يمتد سيف (الى النهدين بلا رحمة) و (فم يسعى ليموت على شهقة حلمة) 0 (وجه بلا هوية - ص 57)
واذ يأخذ الخطاب الشعري في القصيدة السابقة نسقا حسيا ، فأنه في قصيدة (ليل واغنية) يتابع ذلك النسق وهو ينسل من بين (الليل الحاجب) ، وحضور المرأة (كانت اميرتي معي) وصوت ام كلثوم يبثه المذياع ، نرى الخطاب الشعري يمزج بين الاغنية وما يحدث في الغرفة :
* ويعلن المذياع عن اغنية
و (انت عمري) الاغنية
تختلج اللوعة في اصدائها ، وتنتهي بأغنية
(لوحدنا)
تهيم عيناي بعينيك ، وترتاح يدي
(فهات عينيك)
و (هات يديك)
(يا اغلى من ايامي)
(يا احلى من احلامي ) 0
(لا كما تغرق المدن - ص82)
وتستمر الاغنية ، ويستمر الليل مخيما وحاويا للشاعر واميرته :
* ولم تكن سوى تنهداتنا كما هي 0
ثم ينتقل الخطاب الشعري من نقل الجو المحيط بالحبيبين الى ما سيؤول اليه تأثير هذا الجو، و يحدث بينهما :
* وتلتقي عيني بعينيها ، وترتاح يدي
على حرير ثائر ، او خصل من ذهب
حتى اذا تدف الهوى الى شفاهنا ، واستلمت متعبة00
لمتعب ،
وقلت يا عروقنا تفجري ، ويا شفاهنا اشري
وباركي مزالق الهوى ، وثورة السغب
واحتطبي000
فليس اروى من شفاه تحتطب
ولتبحر الان بنا احلامنا 0 (المصدر السابق - ص83 )
ويستمر الخطاب الشعري ينقل ما يحدث ، حتى يصل الى ذروة الفعل :
* واغتصب القبلة 000 ما الذها لو تغتصب
فالعمر، ومضة ويطبق الدجى ،
ولذة 000 سبحان من اودعها ترابنا
فأترك اذن مواسم الهوى لنا
نطعمها جذورنا
ولتأكل النار الحطب
ولتأكل النار الحطب0 (المصدر السابق - ص84)
وهكذا تأكل نار الحطب المتأججة في قلبيّّ الشاعر واميرته حطب الجسدين0
واذا كان الخطاب الشعري في النصوص السابقة موجها الى المرأة ، حاويا نسقا وصفيا للحالة التي يختلي بها الشاعر بمحبوبته / اميرته ، فأن الخطاب الشعري في (هذا العطش الهمجي) يحيلتا الى نسق اخر من خطابات الشاعروهو يصف عملية التلصص التي يمارسها يوميا الى نساء الشرع 0 واذ يقدم قصيدته قائلا : (كان هذا في الصباح من كل يوم ، فمن الذي يعصي هواه؟)
ما الذ يبغيه الشاعر عندما يترك لهواه ان يفعل ما يشاء؟
* وكما يجني الباعة ارباحهم000
فأنا ايضا ، اجني ارباحي اليومية
اتسلل للشارع ، المح اول قافلة نسوية
الاف الخطوات المنسابة كالنسمة ، بين الاكمام،
وثرثرة الامواج الفضية
والوف الاعين، بل والوف النظرات العطشى،
والوف البسمات ، الوف الارداف المرتجة
بين الخصر، وما لا يوصف من اعمدة بلورية 0 (المصدر السابق - ص 145 )
ثم يستمر الخطاب الشعري ناقلا ما تراه عيني الشاعر وهو يقوم بفعل التلصص لقوافل النساء المنسابة كالنسمة (9) (صلف النهدين) (نزق الرغبة في دم انثى بوهيمية ) 0
واذ تنساب تصورات الشاعر وهو يحدث نفسه عن امرأة رآها اكثر احتشاما ولم يردع - ذلك الاحتشام- عينيه من الابحار في جسدها ، تبدأ خيالاته تصور له ما في دواخل هذه المرأة ، وكأنه يعاقبها على احتشامها ، فيفضح دواخلها:
* مهما احتَشَمت فهي امرأة
تبحث عمن يطفئها في ضجة عري شهوانية
استلهم عينيها ، اتأمل خلفها000
هذا الجسد الطيني ، وكيف تمرد عن روح حية ؟
هذا العطش الهمجي على فمها،
حمقى هي ان لم تروي انوثتها
او بلهاء اذا لم تكسر طوق مجاعتها الروحية
حمقى هي ان لم تسمع صوت الدم فيها،
وفحيح النار الجنسية 0 (المصدر السابق - ص 146)
ثم ينتقل الخطاب الشعري من فضح دواخل المرأة الى الاخرين ، يصرخ في وجوههم :
* ومجانين يا من اكل الحرمان جوانحهم،
وامتص السهد محاجرهم
وعلى كل وسادة نهدين لكم مأوى
ومطاف في رحلتكم هذي الجسدية 0 (المصدر السابق - ص146)
***
عود على بدء:
وهكذا تأخذ المرأة حضورها الجسدي في خطاب الشاعر رشيد مجيد 000 انها مفاتن الجسد ، شفاه محمومة ، عيون وسنانة ، هي شهوة ، لذة ، رغبة محمومة، يبحث عنها الشاعر فيما التناقض في دواخله ، بين ان يبتعد عن عالم القديسين ، وبين عدم ممارسته لاحابيل الشيطان :
* اني لا املك طهر القديسين
ولا مارست احابيل الشيطان 0 (العودة الى الطين- ص 51)
الهوامش :
1 – القي البحث في الحتفالية التكريمية التي اقامها اتحاد الادباء والكتاب في ذي قار للشاعر رشيد مجيد بتاريخ 28 / 5 / 1992 0 ونشر في جريدة العراق في 20 / 11 / 1993 0
2 – انظر هوامش البحث السابق 0
3 – من مجموع (109) قصيدة احتوتها مجاميعه الست المطبوعة ، كانت هناك (9) قصائد تناولت موقف الشاعر من المرأة ، وهذا لايعني ان الشاعر لم يكن معنيا بهذا الجانب ، لكن عملية اختيار القصائد للنشر في مجاميع ، قد جعله يقوم بعملية اختيار شديد الوقع على قصائده لاسباب اجتماعية 0
4 – هناك قصائد موجهة الى (نهال) لا تدخل ضمن هذا السياق ، انظر الدراسة السابقة 0
5 – انظر الدراسة السابقة 0
6 - اكد لي الشاعر ، ان المرأة التي كتب عنها الشعر لم يمسسها البته ، وقال : ان المرأة التي تجمعني واياها علاقة حب جسدية (جنسية) لم اكتب عنها شيئا 0
7 – مختار الصحاح ص 350 0
8 – تكملة المعاجم العربية – دوزي – ج2 0
9 – وعملية التلصص ليست حالة مرضية / نفسية / جنسية ، كما (التبصصية) لان الاثنين يختلفين في السلوك والاهداف 0 (انظر الجنس والنفس – د0 علي كمال – ص 216)0
00000000000000000000
تمرين في القراءة
النص بين منشئه وقارئه
محاولة لكتابة نص القارئ (*)
القصيدة:
ليلة ممطر
الليلة ممطرة،
والبرد احدّ من السكين
وصوت الريح ، وحشرجة المطر المتدفق 000
والشارع اقفر ، إلا من اصداء خطاها ،
لاشيء سوى هذا ،
وسوى اصداء خطاها وسواها ،
وحقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب في ملل ،
فوق الكتفين 00 وانملها ،
وهي تدق الباب ليفتح 00
من سيكون الليلة ضيفي 00؟
ومن الطارق 000؟
هذا وقع حذاء امرأة ستشاركني اليوم فراشي ،
فسأدخلها 000 او سأراها ،
وانصاع الباب لها ، وامتدت قامتها 000
امرأة تعبى تتأملني ،
لم يتركها الليل ، وهذا المطر المتحدر كالسيل ،000
ان تختار مكانا غير مكاني هذا ،
قالت : انا متعبة ،
هل تسمح لي 000؟
هذا اقرب بيت لمسافرة مثلي 000
القت بخطاها الريح امام سياجكم ،
قالت هذا 000 ورمت بحقيبتها 000
وهي تمر خلال الباب :
سأجفف شعري ، بل واغير اثوابي
اوقدت المدفأة الاخرى ،
ومضيت اعد لها ما تأكله ،
سألتني 000 وهي تحدق بي :
اتقيم هنا وحدك 00 ام ان هنالك من سيجيء ؟
فقلت لها : الليلة لست لوحدي
بل نحن اثنان هنا ،
فلنقتسم الدفء وها قد اذكته جوانحنا ،
وتملكنا شوق ، لا ندري كيف نقاومه ،
الليلة ممطرة ، والريح تحاصرنا ،
والبرد القاسي لا يرحم 000
لولا ان سريري ،
كان على مقربة منا 0
للعنوان اهمية كبيرة ، واثر عظيم في ما سيبوح به النص من دلالات ، وهو الباب الذي يمكن من خلاله ولوج عالم النص ، ان كان ذلك بصورة مباشرة او غير مباشرة ، وهذا لا يعني ان العنوان سيوفر الوقت بعدم قراءة النص ، والاكتفاء به حسب ، إذ ان مثل هذا العنوان ، ومثل ذلك النص لا يرتقيان الى ان يتسميا بـ (نص ادبي) مهما كان جنسه 0
ان للعنوان علاقة وثيقة بعالم النص ، يرتبط معه ، وفي الوقت نفسه يظل بعيدا عنه (قراءة او كتابة) ، وفي اغلب الاحيان لغة ايضا ، ولكنه في احايين كثيرة وفي نصوص كثيرة يؤخذ العنوان من النص نفسه ، كلمة واحدة ، او كلمات ، وربما بيتا شعريا كاملا ، وهذا يعود الى منشيء النص بإرادته او دونها ، وبوعي منه او دونه ، ومن الجدير بالذكر ، ان مثل هذه العناوين ، المستلة من متن النص ، تثبت بعد كتابة النص لتعطي القاريء فسحة من الوقت لعمل ذهني في ما سيقرأ أولا ، في ما يعيش من اجواء يمنحها النص له ثانيا 0
القصيدة التي سنتناولها في هذه السطور ، هي احدى قصائد الشاعر المبدع المرحوم (رشيد مجيد) وقد نشرت العام 1992 (1) وعنوانها (ليلة ممطرة)، واول ما يمكن استنتاجه من هذا العنوان ، المتكون من كلمتين غير معرفتين ، ان هذه الليلة الموصوفة بـ (الممطرة) هي اية ليلة ينزل بها المطر ، لا تاريخ لها ، انها احدى ليلي الشاعر 0
إن تركيبة (الاسم ونعته) توحي بالثبوت والاستمرارية ، ثبوت كونها ليلة (ممطرة) واستمرارية هذا المطر في تلك الليلة معا ، يعطي دلالة تامة بأن النص – حتما – سيعمل ضمن جو هذه الليلة ، أي ان زمن النص سيمتد بكل دقائقه في جو ممطر وما يجلبه المطر من مناخ بارد له علاقة بالحدث الذي سيقدمه النص ، وهذا لا يعني ان النص سيكون سجلا تاريخيا لما سيحدث من افعال خلال الليلة الممطرة ، لان مثل هذا المفهوم سيخل يشعرية النص ، لان القصيدة ليست سجلا لدقائق الزمن الراكض ، وانما هي – القصيدة ومن ثم الشعر – غربال للزمن وحوادثه 0
ان الاستمرارية التي يوحي بها العنوان تؤكدها بنية النص نفسها ، البنية الدائرية ، إذ يبدأ النص بالمقطع الاول الذي يرسم لنا لوحة معبرة عن جو تلك الليلة :
* الليلة ممطرة
والبرد احدّ من السكين
وصوت الريح ، وحشرجة المطر المتدفق 000
والشارع اقفر ، إلا من اصداء خطاها
وينتهي النص في مقطعه الاخير وهو يعيد لنا رسم اللوحة نفسها تقريبا :
* الليلة ممطرة والريح تحاصرنا
والبرد القاسي لا يرحم 000
ينبني هيكل النص ، إضافة للعنوان ، دون اية مقدمات او اهداءات ، كما هو شأن أغلب نصوص رشيد مجيد الاخرى ، في سبعة مقاطع شعرية ، تتنوع بين المقطع الوصفي ، والمقطع الخبري ، والمقطع الحواري ، ومثل هذا النوع استدعى وجود تمفصلات بين مقطع واخر ، مما جعل بناء الهيكل العام للنص يتصف يلبحيوية والتماسك 0
يتمفصل كل مقطع بالذي يليه بأداة العطف (الواو) ، مضافا لبيت شعري ، او جزء من البيت ، سوى مفصل المقطعين الرابع والخامس الذي يفتقد لهذه الاداة كون الفعل (قالت) قد قام مقام التمفصل ، بما توحيه مشاركة المتحدث والسامع من جانب ، ومشاركة شخصي ( بطلي ) النص بفعل القول ، وكذلك مشاركة الدلالة التي اوحى بها المقطع الرابع من وصف المرأة وهي تحت وابل المطر ، وبين طلبها السماح لها بالدخول 0
المقطع الاول :
1 – الليلة ممطرة
2 – والبرد احدّ من السكين
3 – وصوت الريح ، وحشرجة المطر المتدفق 00
في هذا المقطع ، يتحول العنوان من اسم غير معرف الى اسم معرف بأل التعريف ، ومن هنا يتحول زمن العنوان من زمن غائب بين ازمان اخرى (ليلة من ليال كثيرة) الى ليلة محددة المعالم والاحداث ، انها ليلة النص نفسه 0
هذا المقطع اريد به ان يكون مستهلا للنص ومدخلا 000 وفي المقطع نفسه مهيئا السامع والقاريء للدخول الى جو النص ، اذ ان الفضاء الذي سيتحرك فيه ابطال النص – اذا صحت التسمية – 000 هو هذا الجو الممطر وما يرافقه من برد ورياح ، وبالمقابل من تأثيث للنص لـ (السرير ، المدفأة 000 الخ)0
المقطع الثاني :
4 – (000) إلا من اصداء خطاها
5 – لا شيء سوى هذا
6 – وسوى اصداء خطاها وسواها
7 – وحقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب في
8 - بلل،
9 – فوق الكتفين ،
قبل ان نتحدث عن هذا المقطع بأبياته الست علينا ان نذكر ان البيت الرابع قد جزأناه الى جزئين ، كان الاول (والشاعر اقفر) هو المفصل الذي جعله الشاعر اداة الربط بين المقطعين الاول والثاني ، بين وصفه للجو ( البرد والريح والمطر) وبين وصفه (واخبارنا عن 000) ما تركته المرأة – غير المرئية له – من آثار استدل بها عن وجودها وهي تتحرك في الشارع ، إن برودة الجو ، وصوت الريح وحشرجته قد اديا الى خلو الشارع من المارة ، مما يجعل صوت خطاها يصل الى اذني الشاعر ، ربّ سائل يسأل كيف يمكن سماع وقع الخطى في جو يتدفق فيه المطر والريح تصوت ؟
انه الاحساس المرهف للرجل ( بطل النص ، الشاعر) الذي خلقته الوحدة والوحشة في جو ممطر تجاه المرأة ( اية امرأة ) إنه احساس ( جنسي ) تولد عن الحالة التي يعيشها ، فكان لحاسة السمع دورها الكبير في ذلك بعد ان توقفت جميع الحواس الاخرى لعدم حاجته اليها ، وقد اجاب المقطع الثالث عن مثل هذا التساؤل عندما راح تفكير بطل النص ( الرجل – الشاعر ) بعد سماعه صوت خطى المرأة بالتفكير بمشاركة المرأة تلك – دون ان يراها – في فراشه 0
المقطع الثالث :
ولكي ينتقل النص من المقطع الثاني الى المقطع الثالث مر بمفصل محول ، وهذا المفصل هو : ( وانملها ، وهي تدق الباب ليفتح000 ) لذي يجمع بين اثاث المقطع الثاني ( مخلفات المرأة ، الخطى ، الحقيبة ، الشعر فوق الكتفين ) والاحساس الداخلي لبطل النص ، وكان يقف بين هذا وذاك باب مغلق لا يمكن فتحه إلا بعد دقه 0
11 – مَن سيكون الليلة ضيفي 00؟
12 – ومَن الطارق 000؟
13 – هذا وقع حذاء امرأة ستشاركني اليوم
14 - فراشي00
15 – فسأدخلها او سأراها0
تساؤلات طرحها بطل النص على نفسه ، وفي الوقت نفسه فإن الاجابة عنها افرحته ، فهو اما سيراها ( فحسب) ، او سيدخلها بيته ، عندها – يقرر سلفا – ستشاركه فراشه 000 هكذا انصب تفكيره على ما هو حسي ( جنسي ) على الرغم من عدم رؤيته لها 0
المقطع الرابع :
17 – امرأة تعبى تتأملني ،
18 – لم يتركها الليل وهذا المطر المنحدر
19 – كالسيل
20 – ان تختار مكانا غير مكاني هذا 0
قبل هذا المفصل كان هناك البيت / المفصل ( وانصاع الباب لها ، وامتدت قامتها ) وهكذا ارتبط هذا المقطع بالمقع الثالث ، مقطع التساؤلات واتخاذ القرار بمقطع ( حالة المرأة ) ، وفي الوقت نفسه جمع هذا المفصل بين المقطعين الرابع والثاني ، بين الانامل التي طرقت على الباب واصياع الباب ( انفتاحه ) ودخولها – أي الوصول الى حالة اليقين إن الخطى التي سمعها هي خطى امرأة لا غير – وفي الوقت نفسه فقد صدق حدس البطل على ان المرأة هذه ( تعبة ) ومن دلالات هذا التعب هو ( حقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب على الكتفين) مما دفعها الى اختيار دار بطل النص 0 وهكذا يذهب تفكيره دون ان يعرف سببا اخر ، الى المرأة نفسها ، ذلك لان كل هواجسها واحاسيسه كانت مرتبطة بالمرأة ( كأنثى ) مما دفعه الى ان يحسم امر سبب الاختيار دون سواه 0
المقطع الخامس :
21 – (000) انا متعبة ،
22 – هل تسمح لي ؟
23 – هذا اقرب بيت لمسافرة مثلي
24 – القت بخطاها الريح امام سياجكم ،
25 – قالت هذا ورمت بحقيبتها ،
26 – وهي تمر خلال الباب 00
27 – سأجفف شعري ، بل واغير اثوابي ،
إن ارتباط هذا المقطع بالذي سبقه كان بفعل القول : (قالت: 00) وهكذا تقررت حقيقة تعب المرأة المسافرة ، وفي مثل هذا الجو 0
يطغى على هذا المقطع صوت المرأة من خلال الفعل ( قالت ) الذي تكرر مرتين ،وكذلك ( حركتها) 0
لقد احتلت المرأة – بوجودها وافعالها وحديثها – حاستي السمع والبصر عند الرجل ( بطل النص ) فتحول سماعه من خارج البيت الى داخله 000 هكذا اصبحت هذه المرأة هي صاحبة البيت ، وهذا ما يريده بطل النص ، اذ إنها ستجفف شعرها ، وتغير ملابسها المبتلة ، فمذا يفعل هو اما مثل هذه المرأة ؟ سوى ان يهيأ لها جوا دافئا ، لكنه يخطيء الاختيار لوسيلة الدفء ، وهذا ما سنذكره لاحقا 0
المقطع السادس :
30 – سألتني 00 وهي تحدق بي :
31 – اتقيم هنا وحدك ، ام ان هناك من
32 – سيجيء،
33 – فقلت لها : الليلة لست وحدي ،
34 – فلنقتسم الدفء 00 وها قد اذكته
35 – جوانحنا 0
هذا المقطع الحواري هو امتداد للمقطع الخامس ، لولا البيتين اللذين مفصلا بينها ( اوقدت المدفأة الاخرى ، ومضيت اعد لها ما تأكله ) الا ان الاحساس الذي انتاب الرجل ( الاحساس بالدفء ) – ولا ادري ان كان هذا الدفء بسبب حرارة المدفأة ، ام كان بسبب وجود المرأة ؟- والذي يحاول ان يجعل المرأة تشاركه فيه لكي يهيأها نفسيا الى ما يريد ، قد جعله يستدعي اليه الاحساس الاول الذي كان يعيشه وهو البرودة من خلال تمفصل هذا المقطع بالمقطع الاخير الذي يعيدنا الى الوصف الذي افتتح به نصه ، من خلال بيت التمفصل ( وتملكنا شوق لا ندري كيف نقاومه )0
المقطع الاخير :
38 – الليلة ممطرة ، والريح تحاصرنا
39 – والبرد القاسي لا يرحم 000
40 – لولا ان سريري
41 – كان على مقربة منا 0
قراءة النص او نص القراءة:
بعد هذا التحليل المقطعي للنص ، سأتجاوز بعض الاعراف الادبية ، واعطي لنفسي ( لذائقتي الشعرية اذا صح التعبير) الحق في ان اقرأ – وفي الوقت نفسه – انتج نصي الشعري من خلال قراءة جديدة لهذا النص ، واجد لي مبررا في ذلك ، لان النص بعد ان ينتجه مبدعه يصبح ملكا للاخرين ( القراء ) ، ولهذا سأقوم بعملية إجرائية للنص من خلال حذف بعض الابيات ، او اقوم بترتيب جديد لبعض ابياتها ، وكذلك هناك بعض الملاحظات ،مثل :
اولا :
12 – من سيكون الليلة ضيفي ؟
تساؤل لا مبرر له ، اذ قد اجيب عنه في المقطع الثاني عند ذكر خطى المرأة وحقيبتها وشعرها 000 الخ ، او ان نضع هذا البيت والذي يليه ( ومن الطارق ) بعد البيت الرابع 0
ثانيا :
29 – اوقدت المدفأة الاخرى ،
30 – ومضيت اعد لها ما تأكله 0
ان ايقاد مدفأة ثانية يعني وجود مدفأة اولى موقدة ، هذا اولا ، وثانيا ، ان المقطع الاخير قد اجاب عن كل تساؤل حول برودة الجو من خلال وجود السرير الذي كان على مقربة منهما 0
ومن الطريف انني عندما نبهت الشاعر ( رحمه الله ) بعد قراءته لهذه القصيدة في احدى الاماسي المخصصة له في مدينة الناصرية ، الى عدم الحاجة لهذه المدفأة بعد وجود السرير ، ايد قولي ، اذ قال وهو يبتسم : ( كان على ان لا اوقد تلك المدفأة ) 000 اذ ان السرير يكفي بعد ان اذكيت جوانحهما وتملكهما الشوق الذي لا يقاوم 0
نص القاريء:
1 - الليلة ممطرة،
2 - والبرد احدّ من السكين
3 - وصوت الريح ، وحشرجة المطر
4 - المتدفق 000
5 - من سيكون الليلة ضيفي 00؟
6 - والشارع اقفر ،
7 - هذا وقع حذاء امرأة ستشاركني اليوم
8 - فراشي ،
9 - لاشيء سوى هذا ،
10 - وسوى اصداء خطاها وسواها ،
11 - وانملها ،
12 - وهي تدق الباب ليفتح 00
13 - وانصاع الباب لها ، وامتدت قامتها 000
14 - امرأة تعبى تتأملني ،
15 - وحقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب في
16 - ملل 000
17 - فوق الكتفين 00
18 - لم يتركها الليل ، وهذا المطر المتحدر
19 - كالسيل ،
20 - ان تختار مكانا غير مكاني هذا ،
21 - قالت : انا متعبة ،
22 - هل تسمح لي 000؟
23 - هذا اقرب بيت لمسافرة مثلي 000
24 - القت بخطاها الريح امام سياجكم ،
25 - قالت هذا 000 ورمت بحقيبتها 000
26 - وهي تمر خلال الباب :
27 - سأجفف شعري ، بل واغير اثوابي0
28 - سألتني 000 وهي تحدق بي :
29 - اتقيم هنا وحدك 00 ام ان هنالك من سيجيء ؟
30 - فقلت لها : الليلة لست لوحدي
31 - فلنقتسم الدفء وها قد اذكته
32 - جوانحنا ،
33 - وتملكنا شوق ، لا ندري كيف نقاومه ،
34 - لولا ان سريري ،
35 - كان على مقربة منا 0
36 - الليلة ممطرة ، والريح تحاصرنا ،
37 - والبرد القاسي لا يرحم 000
---------------------------
(*) نشرت هذه الدراسة في مجلة الاقلام في عدد ايلول - تشرين الاول 2000 0
- نشرت القصيدة في جريدة بابل – الاربعاء المصادف 22 / 12 / 1992 0
----------------------
انكسار الشاعر
قراءة في قصيدة (من يشتري ؟) (*)
القصيدة:
من يشتري ؟ (1)
و بقافية
سأبيع ما ملكت يدي
سأبيع حتى العافية
لبعمر 00لا 00 لا شيء غير ضبابه
وضلال ايامي وما خلف الليالي الباقية
من يشتري
عقبى غواياتي فأني تائه
متوجس الخطوات مكدود القوى
اتأمل المجهول ، اسأل عن غدي فيما انطوى ،
اتثور ايامي على مستنقعي000؟
ماخور اوزاري، ومهوى عفتي
يا بئس من مخدع
تابوت اشلائي يجر وراءه
هذي البقية من أس وتفجع
محراب تكفيري الذي قوضته
لأعد من انقاضه مبغى لجائعة معي
زنزانتي
يا ما تبدد وانطوى فيها نداء ضميري المتضرع
خمارتي 000
ايان يصطخب الكؤوس وجدتني
احسو على ضمأ بقية ادمعي
يا ويلتاه000 اكلما هتف الضمير اجبته
ان ليس ثمة ما تقول وتدعي
ايامنا000 رغباتنا مجبولة بالادمع
من يشتري؟
ماخور اوزاري ومهوى عفتي000؟
زنزانتي؟
محراب تكفيريالذي هدمته؟
خمارتي 000 مستنقعي؟
اني ابيعك يا هوى
يا وكر اثامي ، وثدي خطيئتي
وجموح ايامي التي افنيتهن بلا امل
و بألف الف تعلة000
سأعود ثانية لظلك يا هوى
سأعود احتضن الالم000
الم الجراحات التي لم تندمل
جلادتي00
يا ويح مديتها التي لم تحتمل
يا ويح ايامي بها فلقد افقت على ندم
يغتالني فيها الاسى000 ويقيؤني فيها الشجن
وتلوح اقدامي متاهات الدروب فلا ظلال ولا وطن
وتموت في شفتي اغنية وتولد ثانية
ويظل يسترخي فمي في اغنية
هي نشوة الاحلام من عمري ومن متع الليالي الماضية
تتفجر المأساة في اصدائها
صورا مروعة واحلاما عدابا زاهية
في عمقها داتي، وفي خلجاتها00
صوتي يرن مجلجلا في الهاوية
هي كبريائي00
يستفيق من الحضيض ومن مهاوي اللذة المتناهية
يستجلي اسرار الهوى
ويرود ابعاد الحياة بلا ملل
حيث الشباب غواية00
وفم يفتش عن قبل
ظمآن يستجدي ابتسامة غانية
سأبيعها لو تشتري
سأبيع ما ملكت يدي
فلقد رضيت من الحياة 000 بقافية
***
على ضفاف الفرات ، وفي الناصرية المدينة الغاثية على هذا النهرالازلي، محمية بـ ( اور ) التاريخية، في هذا الواقع الجغرافي والتاريخي تفتحت زهور الشعر في قلب شاعر الناصرية رشيد مجيد ، بأول انغام الكلمات ، او بأول الكلمات المنغمة ، وهو يتغنى بالناصرية الحبيبة وبمجدها وعبر سنوات الابداع الطويلة كانت قصائد الشاعر رشيد مجيد اغان تتغنى بها شفاه المحبين والناس البسطاء من اهل المدينة يتغنون للناصرية الحبيبة ، والحبيبة / الناصرية000 ولكن ، عندما يجد الشاعر ان كل شيء - ما عدا الشعر - هو " باطل وقبض ريح " يصرخ بصوته الشاعري المجلجل من يشتري ؟
تلك الصرخة التي لم تدو في جنبات سوق النخاسة او في سوق ( الهرج ) بل هي دوت بين جنبات الزمان عبر مساراته المتواصلة ( الماضي ، الحاضر ، المستقبل )0
من يشتري ؟
انها صرخة الشاعر بوجه الحقيقة ، وبوجه الاخرين الذين نزف الشاعر دما وهو يغني لهم ولاجلهم 0
من يشتري؟
نشتري ماذا ؟ وبأي ثمن ، ولماذا ؟
اسئلة كثيرة اثارتها وتثيرها هذه القصيدة التي حاول الشاعر ان يرسم فيها صورة انكساره والمه 0
من يشتري ؟
اشياء الشاعر المعروضة للبيع:
1 - سأبيع ما ملكت يدي 0
2 - سأبيع حتى العافية0
3 - سأبيع عقبى غواياتي
4 - سأبيع ماخور اوزاري ، ومهوى عفتي
5 - سأبيع تابوت اشلائي
6 - سأبيع محراب تكفيري
7 - سأبيع زنزانتي
8 - سأبيع خمارتي
9 - سأبيع جلادتي
هذه هي معروضات الشاعر للبيع ، والسؤال الذي يولجه الشاعر وهو يقدم هذه المعروضات : لمن يبيع ، وبأي ثمن ؟
* اني ابيعك ياهوى
يا وكر اثامي ، وثدي خطيئتي
وجموح ايامي التي افنيتهن بلا امل
وبألف الف تعلة
سأعود ثانية لظلك يا هوى 0
واي هوى هذا الذي يبيعه الشاعر كل ما يملكه حتى العافية ؟
انه الهوى الذي يمنحه دفقة شعرية وعالما شعربا يحلق فيه وانغاما يعزفها على قيثارة الزمن 0
* سأبيع ما ملكت يدي
فلقد رضيت من الحياة 00 بقافية0
وعندما نبحث في الاسياء المعروضة للبيع ، سوف لن نجد " العمر " فيها ، هذا العمر الذي يأكله الشاعر بنفسه من دون وعي منه ، انه زكم متآكل ، هذا هو عمر الانسان وليس بزمن متنام فلماذا يحرص الشاعر عليه ولماذا لا يعرضه للبيع اسوة بما ملكت يداه ، حتى العافية ؟ هل خاف عليه ؟ ام انه ظن به امام الهوى / القافية ؟
الجواب : كلا 0
فالشاعر لم يجد في عمره ما يستحق ان يباع 000 لهذا نراه يصرخ في وجهه من يسأله استفزازا:لا 0
* العمر 00 لا00 لا شيء غير ضبابه
وضلال ايامي وما خلف الليالي الباقية0
انه يعرف ان عمره هذا هو "عمر محتضر"
* وطويت العمر الى محتضر العمر
واذن هذا قدري
هذا قدري (2 )
انه رماد وتراب ، صفرة الحلم 0
* يا ايها العمر الذي صنعني بلا شباب
يا ابن الليالب الزاحفة للسراب
يا صفرة الحلم المسجىخلف هالات الضباب
و يا رمادا قد قد تهاوى من يدي
ويا ترابا في تراب (3 )
فالشاعر يبيع كل ما يملك الى "الهوى" مقابل قافية 000 ولنتساءل:ما الذي يفعله الشاعر بهذا البديل "القافية"؟ هل ما يريده شعرا مجرد اوزان وقافية ؟ اليس هذا ما يريد ؟ ام انه يريد اكثر من هذا ؟
ان الهوى عنده هو " ابتسامة غانية"0
وهكذا تصبح عنده القافية / الشعر معادلا لابتسامة غانية /امرأة ، فيحق له - عند ذاك - ان يبيع كل شيء مقابل تلك الابتسامة ، فها هو يخاطب زميله الشاعر عبد القادر رشيد الناصري وكأنه يخاطب نفسه :
* ولا سامرا بليل اكتئابك
مؤمنا ان متعة الجسد الفاني00
صلاة الجمال في محرابك
وبأن الدم العتي اذا ماجن شوقا
فعبدت الجمال00 تستلهم الحب
وتحسو شذاه في اكوابك (4)
انه ابيقوري الحب والنظرة 00 فيحق له - حينئذ - ان يفدي عمره من اجل قافية يشدو لحنها امام ابتسامة غانية / امرأة / الجمال0
***
الهوامش :
* نشرت هذه الدراسة في جريدة بابل ليوم الاحد المصادف 24 / 5 / 1992 0
1 - من ديوان "بوابة النسيان " - رشيد مجيد - 1970 - مطبعة الاداب – النجف.
2 - من قصيدة "هذا قدري " من ديوان الشاعر " لا كما تغرق المدن " 0
3 - من قصيدة " حكاية " من ديوان الشاعر " وجه بلا هوية " 0
4 - من قصيدة " كامل الناصري " من ديوان الشاعر " بوابة النسيان"