الافطار بسبب العطش بين الحيلة والرخصة الشرعية
داود سلمان الشويلي
يقول الله في محكم كتابه الكريم :
(( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون *شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)). [البقرة: 183 - 185 ]
تمر على العراق والكثير من بلدان العالم الاسلامي ، موجة حر شديد ، وقد حل الشهر الفضيل ، شهر رمضان ، شهر الصيام ، وابناء العراق يعيشون ازمة الكهرباء في لهيب هذا الصيف القاتل. وليس من هدف هذه الدراسة القصيرة بيان فقه الصوم ، وانما هدفها بيان الرخصة القرآنية للافطار في هذا الشهر الفضيل .
فالصوم، كما هو معروف: (( الامساك عن أي فعل ، أو قول كان .
و شرعا : هو الامساك عن الأكل ، والشرب ،والجماع ، من الصبح إلى المغرب ، مع النية )). (1)
وقد ذكرت الايات الكريمة اعلاه الامور التي يرخص فيها الافطار ، وهي:
- المرض.
- السفر.
- امور اخرى لمن يطيقه.
واذا كان الافطار بسبب المرض اوالسفر معروفين لكل المؤمنين ، الا ان الامور الاخرى لمن يطيق صيامه قد غابت عن الكثير من عامة المؤمنين لاسباب كثيرة ، اهمها عدم قيام الفقهاء ببيانها وتوضيحها جيدا.
واكثر عارض يلاقيه الصائم هو ارتفاع درجة حرارة الجو التي لا تطاق - و التي نعيشها الان - إذ من الناحية الطبية يساعد ارتفاع درجة حرارة الجو على زيادة التعرق ، والتعرق يقلل من كمبة السوائل في جسم الانسان ، و الدم خاصة ، فيصبح الدم كثيفا ،و لم يكن القلب قادرا على ضخه وتوصيله الى سائر اعضاء الجسم و الدماغ خاصة، فيصاب الا نسان بالاعياء ومن ثم الاغماء ، وربما الموت، فراح المؤمنون يبحثون عند الفقهاء عن الرخصة الشرعية للخروج من هكذا اشكال.
ولما كانت الكثير من الفضائيات تبث برامج خاصة بالاستفتاء ، ظهر احد المعممين على احدى الفضائيات تلك وقد اجاب من سأله عن الرخصة الشرعية بحيلة لم ينزل بها الله من سلطان ، حتى باتت هذه الحيلة ترددها بعض الالسن لا على انها حيلة وانما على انها رخصة شرعية.
كانت اجابة هذا المعمم : ان من يريد التخلص من الصيام في حرارة هذا الجو ، عليه ان يسافر بمقدار المسافة الشرعية للافطار (ثمانية فراسخ)، وعليه ان يقسم هذه المسافة الى قسمين ، الاول للذهاب والاخر للاياب في ذلك اليوم ، ونسي هذا المعمم ان الله سبحانه قد قال في سورة ال عمران / 54 : ((ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)). وكذلك نسي ان السورة نفسها قد بينت الرخصة الصحيحة.(2)
قال سبحانه: ((وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) ومعنى هذه الاية كما ذكرها الكثير من الفقهاء والمفسرين هو:
جاء في (رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 3 - ص 55 ):
(( ... ومن بلغ من الهرم إلى حد يتعذر معه الصوم فلا صيام عليه ولا كفارة ، وإذا أطاقه لكن بمشقة شديدة يخشى المرض منها والضرر العظيم كان له أن يفطر ويكفر عن كل يوم بمد من طعام .
وكذلك الشباب إذا كابد العطاش الذي لا يرجى شفاؤه ، فإن كان العطش عارضا " يتوقع زواله أفطر ولا كفارة تلزمه ، وإذا برئ وجب عليه القضاء .
والحامل والمرضع إذا خافتا ولديهما من الصوم الضرر أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمد من طعام)) .
وجاء في ( الكافي - الشيخ الكليني - ج 4 - ص 116):
(( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين " قال : الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش ، وعن قوله عز وجل : " فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " قال : من مرض أو عطاش )).
و في (منهاج الصالحين - السيد السيستاني - ج 1 - ص 334):
(( وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص : منهم الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا تعذر عليهم الصوم ، وكذلك إذا كان حرجا ومشقة ولكن يجب عليهم حينئذ الفدية عن كل يوم بمد من الطعام ، والأفضل كونها من الحنطة ، بل كونها مدين ، بل هو أحوط استحبابا ، والظاهر عدم وجوب القضاء على الشيخ والشيخة إذا تمكنا من القضاء ، والأحوط الأولى لذي العطاش القضاء مع التمكن ومنهم الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد ، وعليهما القضاء بعد ذلك ، كما أن عليهما الفدية أيضا ، ولا يجزئ الاشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها )).
وجاء في (صحيح البخاري - البخاري - ج 2 - ص 238):
(( وقال ابن نمير حدثنا الأعمش حدثنا عمرو ابن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم فأمروا بالصوم )) . (3)
وفي (مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 5 - ص 246 ):
(( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه قال ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام )).
اذن ،قد بين سبحانه لنا الرخصة الشرعية للافطار لغير المريض والمسافر ، ولا داع للحيلة الشرعية ، اذ قال : ((وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )) وقد بين الرسول ومن بعده الفقهاء في كتبهم من هم الذين يطيقونه الا انهم لا يصومون ، وهم :
- كبير السن .
- ذو العطاش الذي لا يرجى شفاؤه ، و ذو العطش العارض.
- الذي يجد في صيامه مشقة.
- الحامل والمرضعة.
فذو العطاش العارض – كما في ايامنا هذه – وكذلك ،الذي يرى في صيامه مشقة، عليهما الافطار ومن ثم القضاء او الكفارة حسب ما حددته الروايات اعلاه.
فماذا نقول لهذا المعمم الذي يعلّم المؤمنين الحيلة؟ لا نقول له الا ما قاله الله سبحانه: ((ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين )).
الاحد، 31 تموز، 2011
الهوامش:
1 - القاموس الفقهي - الدكتور سعدي أبو حبيب - ص 218.
2 – ونسي – كذلك - هذا المعمم ان المشقة التي ستحصل لهذا السائل عند سفره اكثر مما لو بقي في داره وصام يومه ، لان في السفر مشقة ما بعدها مشقة ، خاصة في ايام ارتفاع درجة حرارة الجو في بلدان المسلمين.
ونسي - كذلك - النية والقصد من السفر ، هل على المؤمن ان يضع في قصده انه يسافر لاجل الافطار ؟ واي سفر هذا؟ انه كذب على الله ، والله سبحانه يقول : ((فإنه يعلم السر وأخفى )). [طه : 7 ]
3 - في حديث اخر ينقله البخاري ، جاء فيه: ((... عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان ان يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكينا فمن شهد منكم الشهر فليصمه)). (صحيح البخاري - البخاري - ج 5 - ص 155 .).