فصل الخطاب في قضية تجسيم رب الارباب
داود سلمان الشويلي
في مقال سابق (1) تحدثت في الفقرة الثانية منه عن ( الخطاب الاعلامي الفضائي الاسلامي !) قلت فيه : (( كثرت في الاونة الاخيرة الفضائيات التي يمكن ان نطلق عليها تسمية فضائيات الفتنة بين ابناء الامة الاسلامية ، خاصة بين السنة والشيعة .
إذ راح خطاب هذه القنوات يبحث في الكتب الصفراء عما هو يعد منقصة من قبل فكر ذلك الخطاب عند خطاب الفكر المقابل له.
فنجد – مثلا - خطاب الفكر الشيعي على بعض القنوات يبحث في الكتب الصفراء عما في الفكر السني – الوهابي خاصة – من زلات وهنات وهفوات ليكفّر من خلالها ذلك الفكر ، وبالمقابل ، نجد خطاب الفكر السني – الوهابي خاصة – يفعل الشيء نفسه .
في برنامجين على اثنتين من القنوات تلك ، خير مثال على ذلك.
في احدى القنوات الشيعية ، ظهر احد علماء الشيعة يكفر إمام من سلف ائمة (الوهابيين) من خلال ما جاء في كتبه حول قضية التوحيد والتجسيم ،فتبين من خلال حلقات البرنامج، ان هذا الامام من المجسمة.
في المقابل ، بثت قناة من قنوات الفكر المقابل برنامجا يرد على ما جاء في احاديث البرنامج الذي بثته القناة الشيعية عن فكر ذلك الامام .
تبين من خلال هذا البرنامج ان العالم الشيعي قد تصرف بما جاء في كتب ذلك الامام الوهابي ، إذ إنه نقل اقوال غيره ونسبها اليه.
أي ان الامام السني كان يرد على اقوال المجسمة ، ولم يكن هو مجسما .
السؤال الذي تطرحه هذه السطور هو: ما الفائدة التي سيجنيها ابناء الامة الاسلامية في مسألة فلسفية اكل الدهر عليها وشرب؟)).
***
ولنعود مرة ثانية الى هذه القضية ونضعها على طاولة التشريح.
نتساءل: هل الله سبحانه وتعالى سوف يسألنا يوم الحساب عن قضية تجسيمه او عدمها، وكيف سيكون سؤاله لنا؟
لنضع الاسئلة المحتملة التي ستتوجه الينا في ذلك اليوم:
س: يا عبدي كيف تراني امامك؟
او:
س :يا عبدي هل انا جسم ام لا؟
او:
س: يا عبدي هل لي جوارح مثلك؟
او... او ... الخ.
اسئلة افتراضية و لا يمكن ايراد الدليل على صحة طرحها. فلا نبي او رسول او احد من ابناء ادم عبر تاريخ البشرية خرج من قبره واخبرنا بها، فضلا عن عدم قيام يوم الحساب في زمن ما ، لان قيامه في غيب الله .
ان قضية التجسيم هي من غيب الله اولا، وثانبا، هي غير ذات اهمية في العقيدة ، بل هي قضية تفتقد للمصداقية.
انها من موضوعات الفلاسفة والمتكلمين الاوائل.
فالله سبحانه وصف نفسه بما اخبرنا به في قرآنه ،والوصف هذا ان كان على الحقيقة او كان على المجاز، فهو سبحانه العالم به ، ولا ارى ان ذلك الوصف سيرتب على المسلم امورا عليه.
فأن كان على الحقيقة فالله سبحانه اعلم وادرى بتلك الحقيقة الغيبية.
وإن كان على المجاز، فاللغة العربية وسياق الآية هما القادرتان على تفكيك ذلك المجاز ، واظهار المعنى المراد .
على سبيل المثال:
فال تعالى: ((يد الله فوق أيديهم)) فالله اعلم بقوله هذا ، فإن كان هذا القول على الحقيقة ، فعند الله علمه ، وان كان على المجاز ، فيمكن ان نقول ان تأييد الله للمؤمنين هي ما تمثله يد الله.
وكذلك بالنسبة لوصف الجوارح التي من خلالها يتم ، سمع الله ، وبصره ، وكلامه وقوله ... الخ.
نتساءل : ما الذي يفيدنا - نحن عباده - القول ان لله اذنان مثل اذنينا، وعينان كعيوننا مثلا، او ان ننكر وجود تلك الجوارح؟ هل يفيدنا هذا في قبول الاعمال ، او التعبد لله بما طالبنا به الله ان نتعبده؟
***
تفترض هذه السطور– كما افترض الفلاسفة والمتكلمون التجسيم فبلنا – ان الله سبحانه سيحاسب من اشترك في اختراع الفضائيات ، لانهم اخترعوها لتستغل في نشر الفتنة التي ظلت حبيسة الكتب الصفراء القديمة بين عباده !!!
فالمسلمون قديما انقسموا بين مجسم وغير مجسم ، فمن قائل ان لله جوارح مثل جوارحنا ، ونفى غيرهم هذا القول ، ومن قائل ان الله يحل بمكان ، ونفي البعض هذا الادعاء ، وقال البعض ان لله جهة ، ونفي غيره ذلك ، وقال البعض ...الخ، ونفي غيرهم ما قالوه ، والعامة من المسلمين في واد غير هذا الواد، فهم يؤمنون بالله ، وبملائكته، ورسله ، وكتبه، وبالقدر خيره وشره ، وباليوم الاخر .
ويصومون ويفطرون شهر رمضان كل عام عندما يرون هلاله ، ويصلون خمس صلوات في اليوم ، ويحج الى بيت الله من استطاع اليه سبيلا في شهر ذي الحجة، ويزكي امواله ، والكل يموت دون ان يعرف اللحظة التي يموت فيها.
يحدث كل ذلك دون ان يتساءلون ان كان لله يد كأيدينا او عينين كعيوننا او ... او ... الخ ، لانهم يعوفون انه سبحانه خاطبهم بقوله : ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)). [البقرة- 186 ]
اما عندما نسأل واحد من عامة المسلمين عن (دستور الاسلام )، فيرد مباشرة : انه القرآن الكريم ، وعندما تسأله عن تفسير آية فيه ،يفسرها حسب فهمه لها (2) دون ان يخرج عن التوحيد ويدخل حد الشرك والكفر.
فأبتعدوا يا من سميتم انفسكم بعلماء ورجال الاسلام وحماته بكتبكم الصفراء عن المسلمين، ودعوهم يعبدون الله ويوحدونه بما علمهم القرآن وما صح من الحديث النبوي، وما عليكم سوى تصحيح تلك العبادات او الممارسات ان كان فيها خطأ يأتي بسبب عدم التعليم الصحيح او السهو، وسبحان من لا يسهو.
قال تعالى:
((وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)). [التوبة- 122 ]
فأذا كنتم انتم الطائفة المتفقهة في الدين ، والدين عند الله هو الاسلام ، والاسلام معناه عدم الشرك بالله والايمان بما ذكرناه اعلاه ، والقيام بالفروض المذكورة اعلاه ، لان غير ذلك من مثل تجسيم الله فليس من الاسلام ، فعليكم ان تعرفوا دوركم جيدا، ولا تفلسفوا الاسلام للعامة ، وتصعبوه.
فقد خاطب الاسلام فطرة الانسان ، وجاء سهلا يسيرا.
***
الهوامش:
1- مقال : (الخطاب الاعلامي الفضائي اليوم).
2 – هذا الفهم اما ان يكون مكتسبا، او غير مكتسب.