الخطاب الاعلامي الفضائي اليوم
داود سلمان الشويلي
بعد ثورة وسائل نشر المعلومات ، من قنوات فضائية وشبكة الانترنيت خاصة، راح الخطاب الاعلامي يأخذ له طريقا اخر، إذ خرج من على الورق – خطاب مقروء – الى الفضائيات – خطاب مسموح - ونحن نعرف جيدا ان ما هو مسموع اكثر تأثيرا مما هو مقروء، فضلا عن سعة انتشاره ، خاصة ونحن العرب – على اقل تقدير - ابناء حضارة شفاهية ، سمعية ،ابتداء من انتشار الشعر الجاهلي – على سبيل المثال - ولغاية ما وصل اليه الشعر الى القصيدة النثرية .
إذن ، فالخطاب المسموع قد اعيد استغلاله في عصرنا هذا على كل الاصعدة على الفضائيات.
***
1 - الخطاب الاعلامي الفضائي السياسي !!!:
في احدى الفضائيات العراقية المناهضة للاحتلال والعملية السياسية في العراق ،يخرج علينا احد الاعضاء الحاليين لمجلس النواب العراقي في حديث اسبوعي يتحدث فيه الى المشاهدين ويعدهم بانه سيفضح بعض اسرارالاساليب الخاطئة لاعضاء المجلس ، واعماله ايضا ،والمشاهدين وجدوا في ذلك فائدة كبيرة ، لا بسبب الفضائح ، وانما بسبب معرفة ما وراء الكواليس في مجلس النواب .
الا ان النائب هذا جعل من حديثه الاسبوعي طريقا الى :
1 – مدح نفسه ، وكأنه يقول للعراقيين وكذلك لرئيس واعضاء قائمته الانتخابية انه الاعلم الاوحد ، والمثقف الاوحد ،والعارف الاوحد بتاريخ العراق المعاصر خاصة .
وذهب الى اكثر من هذا فإدعى (1) الى انه هو الشخص الذي اوصل رؤوساء قائمته الى ملوك و رؤساء الانظمة العربية ، وبهذه (الواسطة) حصلوا على الدعم المالي والذي – وكما يقول هو نفسه – لم يضع فلسا واحدا في حسابه.
ما تريد ان تصل اليه هذه السطور ليس هو الدفاع عن هذه القائمة او عن رجالها ، فهي غير معنية بذلك ، وانما الذي تريد ان تصل اليه ، هو:
آ – ان كل ما يعرف يجب ان لا يقال ، خاصة اذا كان ذلك الذي يقال لا يعني مشاهدي هذه القناة بشيء، لانه هو من باب الصراع السياسي ، خاصة ان هذا النائب لم تختاره قائمته ليكون وزيرا ، وقد طالب هو نفسه بالتوزير.
ب – من المعلوم ،ان القنوات الفضائية هي عامة للناس وليس لشخص واحد او لصراعاته السياسية، حتى لو كان هذا الشخص هو مالكها . (2)
2 – تمجيد اخيه وزوجته – رحمهما الله - في اكثر من حديث من احاديثه الاسبوعية ، ونحن نعرف جيدا ان هذا الاخ – وهو مؤلف لمجموعة من الكتب – غير مستقر فكريا ( روحيا و سياسيا) .
فهو مرة ماركسي ، واخرى طاوي (3) ، وثالثة صوفي ، وقد البس كل فكره هذا بلبوس الدين ، ووصل به الحال الى ان يعيش فقيرا ويموت فقيرا ،(4)لا لشيء، الا لانه (يكفـّر) كل شخص له فكر مغاير لفكره ، فلا يأخذ فلسا واحدا منه .
وهذا القول ليس قولي ، وانما رواه هذا النائب غير المستوزر في واحد من احاديثة الاسبوعية على شاشة تلك القناة عندما ذكر ان اخيه رفض المساعدة المالية التي قدمها له ، لانه كان ينتمي سابقا الى حزب (يبغضه) هذا الاخ.
اسأل : ما هي الفائدة التي سيجنيها المشاهد لذكر مثل هذه الاخبار؟
ومن رأي هذه السطور ، وتدعو اليه : ان رفقا بالمشاهدين .
***
الخطاب الاعلامي الفضائي الاسلامي !!!:
كثرت في الاونة الاخيرة الفضائيات التي يمكن ان نطلق عليها تسمية فضائيات الفتنة بين ابناء الامة الاسلامية ، خاصة بين السنة والشيعة .
إذ راح خطاب هذه القنوات يبحث في الكتب الصفراء عما هو يعد منقصة من قبل فكر ذلك الخطاب عند خطاب الفكر المقابل له.
فنجد – مثلا - خطاب الفكر الشيعي على بعض القنوات يبحث في الكتب الصفراء ما في الفكر السني – الوهابي خاصة – من زلات وهنات وهفوات ليكفّر من خلالها ذلك الفكر ، وبالمقابل ، نجد خطاب الفكر السني – الوهابي خاصة – يفعل الشيء نفسه .
في برنامجين على اثنين من القنوات تلك خير مثال على ذلك.
في القناة الشيعية ، ظهر احد علماء الشيعة يكفر إمام من سلف ائمة الوهابيين من خلال ما جاء في كتبه حول قضية التوحيد والتجسيم ،فبان من خلال حلقات البرنامج، ان هذا الامام من المجسمة.
في المقابل ، بثت قناة من قنوات الفكر الوهابي برنامجا يرد على ما جاء في احاديث البرنامج الذي بثت القناة الشيعية عن فكر ذلك الامام .
تبين من خلال هذا البرنامج ان العالم الشيعي قد تصرف بما جاء في كتب ذلك الامام الوهابي ، إذ إنه نقل اقوال غيره ونسبه اليه.
أي ان الامام الوهابي كان يرد على اقوال المجسمة ، ولم يكن هو مجسما .
السؤال الذي تطرحه هذه السطور هو: ما الفائدة التي سيجنيها ابناء الامة الاسلامية في مسألة فلسفية اكل الدهر عليها وشرب؟
ما الفائدة التي سيجنيها ابناء الامة الاسلامية من نبش الكتب الصفراء؟
ما الفائدة التي سيجنيها ابناء الامة الاسلامية من ان الله له جسم او لا ؟ فيما قال سبحانه في كتابه : ليس كمثله شئ وهو السميع البصير. [الشورى- 11 ] .
وهل سيسأل سبحانه عباده يوم القيامة عن جسميته او عدمها؟
ربما يقول البعض ان هذه القضية تجر وراءها قضايا اخرى يعد غير المعتقد بها كافرا.
ولو عدنا الى احدى تلك القضايا ، لوجدناها قضية كلامية – فلسفية ، قول رجال ، من مثل قضية: هل ان القرآن مخلوق او قديم ؟ والتي تشضى من ورائها المسلمين الى مدارس كلامية وفلسفية وصلت حد الاقتتال وما زالت قائمة بيننا ، علما انها ليست عقيدة يطالبنا الله بها، ولا هي مذكورة قي القرآن ولا في السنة الصحيحة، وليس العلم بها او عدمه يخرج من الدين.
***
بعد هذه السطور التي فدمنا فيها مثالين عن الخطاب الاعلامي ، احدهما خطاب اريد منه ان يكون خطابا سياسيا فاصبح خطابا شخصيا ، والاخر اريد منه ان يكون خطابا دينيا فاصبح خطاب فتنة ونبشها،هل من فائدة مرجوة من هذه الخطابات؟
***
الهوامش:
1 - لا يهمنا صحة او خطأ القول .
2 – مع العلم ان المعني ليس مالكا للقناة . ويذكرني هذا البرنامج بالقناة الخاصة بأحد المغنين الخليجيين الذي يملك قناة فضائية، فيغني فيها ،ويقدم برامج غنائية بنفسه ،... الخ.
3 - احدى الفلسفات الدينية الصينية.
4 - ليس في القول هذا استهجانا لفقره، بقدر ما هو استهجان لسعيه الى ان يعيش فقيرا ، وقد قيل قديما لو كان الفقر رجلا لقتلته ،وغيره من الاقوال المأثورة.
الاربعاء، 12 كانون الثاني، 2011