السنة النبوية و التشريع
داود سلمان الشويلي
(( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين* وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )). (1)
(( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )).
(( ما فرطنا في الكتاب من شئ )).
(( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )).
الآيات اعلاه – وغيرها - توضح بما لا يقبل الشك ان الانبياء والرسل لا يشرعون ابتداء، بل هم مبشرين ومنذرين ، وكذلك مبينين لما بشروا به ، لانه في الكتب التي انزلت عليهم من السماء بطريق الوحي ، تبيان لكل شيء ولم تنس صغيرة ولا كبيرة من امور الدنيا والاخرة ، وعندما اراد الله ان ينهي الرسالة المحمدية ، بعد ان بين فيها كل شيء للناس ، قال سبحانه ، انه اكمل دينه الذي سماه سبحانه الاسلام ، وسمى نبيه ابراهيم اتباعه بـ (المسلمين).
وكل الكتب السماوية ، والقرآن خاصة ، لم تذكر ان الرسل والانبياء يشرعون لامر ما ، دنيوي او اخروي .
(( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب)). [ الشورى: 13 ] ، وكذلك:[المائدة: 48 ]، [الجاثية: 18 ]
في الايات اعلاه يبين الله سبحانه وتعالى انه جل شأنه هو المشرع الوحيد لكل الشرائع ، وقد استخدم (جعلنا) مرة تدل على ان الشريعة هي من جعل الله ، والاخرى (جعلناك على) ، في انه سبحانه قد جعل النبي (ص) على امر من هذه الشريعة .
فهل محمد (ص) (الرسول النبي) قد خالف امر الله ، وراح يشرع من دونه – حاشاه – ، او حتى بأمر منه سبحانه؟ (2)
السطور التالية ستوضح ذلك.
***
ان المقولة الدوغماتية حول ان السنة – بكل معانيها - هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وواجبة الاتباع ، مقولة لم ينزل بها الله ولا رسوله من سلطان .
و الايات القرآنية التي تؤكد على طاعة الرسول هي ايات تقرر ان هذه الطاعة محكومة اولا بطاعة الله ، أي ان ما جاء به الرسول وحيا من الله – أي قرآنا – هي الطاعة المطلوبة .
وان ما جاء في الايتيين 3 – 4 من سورة النجم: ((وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)). تأكيد على ان الرسول ينطق بما يوحى له ، أي بما ينزل به جبريل من قرآن ، وليس بكل ما يقوله.
وهذا ما تؤكده ايات كثيرات من مثل :
(( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)). [يونس:15 ]، وكذلك:[هود:12 ]، [الانعام :50 - 55 ] ،[الاعراف:203 - 204 ]، [الانبياء:107 -108 ]، [الاحقاف: 9 ]
اما ايتي سورة الاحزاب فانها تخاطب محمدا من باب النبوة لذا فهي تحذره من اطاعة الكاقرين والمنافقين وفي الوقت نفسه يطلب منه اتباع ما يوحى له من باب الرسالة.
(( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما * واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا )).[الاحزاب:1- 2 ]
هذه الاية تطالب النبي ان يتبع الوحي المنزل على الرسول ، أي ان يتبع النبي الرسول في ما نزل عليه.
فضلا عن ذلك لم تنزل آية تطالب المسلمين والناس كافة اتباع النبي وطاعته ، بل انه سبحانه يطالبهم باتباع وطاعة الرسول.
وكذلك ، فسبحانه كثيرا ما يعاتب النبي ، ولم نقرأ مرة واحدة انه سبحانه عاتب الرسول ، لان النبي هو الذي يتحرك بين الناس مبشرا بالرسالة ومنذرا ومبينا والتي اوحيت الى الرسول فسلمها الى النبي (في الاسلام الرسول هو النبي) ، أي العتاب من باب النبوة لا من باب الرسالة.
1 – لفظة الرسول تاتي في الكثير من الاحيان عند الحديث عن الجنة [البقرة:214 ]
2 - الرسول هو اول مؤمن بما أنزل إليه من ربه [البقرة:285 ]
3 – الرسول هو الذي يتبع [ ال عمران:53 ]
4 – الطاعة لله ومن بعد ذلك للرسول [النساء:59 ] [المائدة:92 ]
5 – الرسول هو الذي يستغفر لمن يريد الاستغفار [النساء:64 ]
6 – الرسول هو الذي يشاققه الناس وليس النبي [النساء: 115 ] [محمد:32 ]
7- الذي ياتي بالحق من الله هو الرسول (النساء: 170 )
8 – الرسول هو الذي يحزنه وجود الكفار [المائدة:41 ]
9 – الرسول مبلغ الرسالة [المائدة :67 ] [المائدة:99 ]
10 – الذي ينزل من السماء ينزل على الرسول [المائدة:83 ]
11 – الاستأذان يطلب من الرسول [النور:62 ]
12 – الذي يخاطبه الله هو الرسول فقط [الفرقان:30 ]
13 – الذي ياتي به الرسول هو الذي يؤخذ[الحشر: 7 ]
اما لفظة نبي (النبي) فتأتي في ايات كثيرة لا تدل على التشريع او تطلب منه التشريع:
1 – ((يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)). [الانفال:64 ] ، وكذلك : [الانفال:65 ]، [الانفال:70 ]، [التوبة:73 ]، [التوية: 117 ]، [الاحزاب: 1 ]، [الاحزاب:6 ]، [الاحزاب:13 ] ،[الاحزاب: 28 -33 ] ، [الاحزاب:50 ]، [الاحزاب:53 ]، [الاحزاب:59 - 60 ]، [الحجرات: 2 ]، [الممتحنة: 12 ] ، [الطلاق: 1 ]، [التحريم: 1 ]، [التحريم: 3 ]، [التحريم: 9 ].
***
الفرق بين الرسول والنبي:
هناك فرق بين الرسول والنبي، على الرغم من ان القرآن يؤكد على ان الاثنين يوحى لهما، ومهما كان نوع هذا الوحي ، ان كان بواسطة احد الملائكة ، او كان في المنام - كما يقول بعض المفسرين وعلماء الكلام – الا انه وحي من الله ،و الفرق يبقى في الوظيفة التي يقوم بها كل واحد منهما ، وهي وظائف متداخلة ،الا انه يمكن الفصل بينهما.
فالرسول ، هو مستلم وحامل الشريعة (الدين) والمبشر بها والمنذر، فيما النبي هو شاهد على الناس ومبشر بها ومنذر وداعي (الاحزاب: 46) ومبين ومفسركذلك، أي ان الرسول عندما يستلم الرسالة ،تبدأ وظيفة النبي بالتداخل مع وظيفة الرسل فيكون التبليغ والتبشير والانذار ،ثم ينفصل النبي عن الرسول ،ليبقى نبيا يقوم بوظيفة التبشيروالانذار والبيان والتفسير، وكذلك كشاهد على تنفيذها من قبل الناس .
(( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما )). [ النساء : 165 ]، وكذلك: [يونس:2 ]
وقد شرق وغرب المفسرون وعلماء الكلام في تفسيرهم للفظي رسول ونبي ،فقالوا في الفرق بينهما:
قال العسكري : ((أن النبي لا يكون إلا صاحب معجزة وقد يكون الرسول رسولا لغير الله تعالى فلا يكون صاحب معجزة . والانباء عن الشئ قد يكون من غير تحميل النبأ ، والارسال لا يكون بتحميل ، والنبوة يغلب عليها الإضافة إلى النبي فيقال نبوة النبي لأنه يستحق منها الصفة التي هي على طريقة الفاعل ، والرسالة تضاف إلى الله لأنه المرسل بها ولهذا قال برسالتي ولم يقل بنبوتي والرسالة جملة من البيان يحملها القائم بها ليؤديها إلى غيره ، والنبوة تكليف القيام بالرسالة فيجوز إبلاغ الرسالات ولا يجوز إبلاغ النبوات .
الفرق بين النبي والرسول : قيل : لا فرق بينهما ، وقيل : الرسول أخص من النبي لان كل رسول نبي من غير عكس . وقيل : الرسول الذي معه كتاب الأنبياء ، والنبي الذي ينبئ عن الله وإن لم يكن معه كتاب . كذا قال جماعة من المفسرين ، وأورد عليه أن لوطا وإسماعيل وأيوب ويونس وهارون كانوا مرسلين ، كما ورد في التنزيل ، ولم يكونوا أصحاب كتب مستقلة . وقيل : الرسول من بعثه الله بشريعة جديدة يدعو الناس إليها ، والنبي : من بعثه لتقرير شريعة سابقة كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهما السلام)) . (3)
فيما قال الطباطبائي من مفسري الشيعة: (( ومعنى الرسول حامل الرسالة ، ومعنى النبي حامل النبأ ، فللرسول شرف الطاعة بين الله سبحانه وبين خلقه والنبي شرف العلم بالله وبما عنده .
وقد قيل أن الفرق بين النبي والرسول بالعموم والخصوص المطلق فالرسول هو الذي يبعث فيؤمر بالتبليغ ويحمل الرسالة ، والنبي هو الذي يبعث سواء أمر بالتبليغ أم لم يؤمر .
لكن هذا الفرق لا يؤيده كلامه تعالى : ( واذكر في الكتاب موسى أنه كان مخلصا وكان رسول نبيا ) مريم - 51 ، والآية في مقام المدح والتنظيم ولا يناسب هذا المقام التدرج من الخاص إلى العام كما لا يخفى . وكذا قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " الحج - 51 ، حيث جمع في الكلام بين الرسول والنبي ثم جعل كلا منهما مرسلا لكن قوله تعالى : " ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء " الزمر - 69 ، وكذا قوله تعالى : " ولكن رسول الله وخاتم النبيين " الأحزاب - 40 ، وكذا ما في الآية المبحوث عنها من قوله تعالى : " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " إلى غير ذلك من الآيات يعطي ظاهرها أن كل مبعوث من الله بالارسال إلى الناس نبي ولا ينافي ذلك ما مر من قوله تعالى : وكان رسولا نبيا الآية ، فإن اللفظين قصد بهما معناهما من غير أن يصيرا اسمين مهجوري المعنى فالمعنى وكان رسولا خبيرا بآيات الله ومعارفه ، وكذا قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الآية لامكان ان يقال : ان النبي والرسول كليهما مرسلان إلى الناس ، غير أن النبي بعث لينبئ الناس بما عنده من نبأ الغيب لكونه خبيرا بما عند الله ، والرسول هو المرسل برسالة خاصة زائدة على أصل نباء النبوة كما يشعر به أمثال قوله تعالى : " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالحق " يونس - 47 ، وقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " الاسراء - 15 ، وعلى هذا فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم ، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على اتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكة أو عذابا أو نحو ذلك قال تعالى : " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء - 165 ، ولا يظهر من كلامه تعالى في الفرق بينهما أزيد مما يفيده لفظاهما بحسب المفهوم ، ولازمه هو الذي أشرنا إليه من أن للرسول شرف الوساطة بين الله تعالى وبين عباده وللنبي شرف العلم بالله وبما عنده وسيأتي ما روي عن أئمة أهل البيت " عليهم السلام " من الفرق بينهما)) .(4)
وقالت المعتزلة ان:((لا فرق بينهما فإنه تعالى خاطب محمدا مرة بالنبي وبالرسول مرة أخرى )). (5)
فيما يقول المرجع الديني الامام الشيخ حسين المؤيد (فقيه ومرجع جعفري من المعاصرين):(( يتصف محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكلا العنوانين فهوَ رسول وهو نبي , وقد خاطبه الله تعالى في القرآن تارة بعنوانه الأول وذلك في موضعين الأول في الآية 41 من سورة المائدة في قوله تعالى " ياأيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر ..." والثاني في الآية 67 من السورة نفسها في قوله تعالى " ياأيها الرسول بلّـغ ماأنزل اليك من ربك ...". وتارة اخرى بعنوانه الثاني وذلك في مواضع عديدة ،هذا غير ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم بوصف الرسول تارة وبوصف النبي تارة أخرى من غير توجيه خطاب ،فذكره بكل من الوصفين كثير في آيات القرآن الكريم .وقد بحث علماء الكلام وعلماء التفسير قضية الفرق بين العنوانين وأفيدت آراء عديدة بهذا الصدد أهمها:-
1- أن وصف الرسول انما هو بلحاظ كونه مرسلا من قبل الله تعالى,ووصف النبي انما هو بلحاظ ماله من رفعة ودرجة عظيمة بالأرسال .فلوحظ في الوصف علو المكانة والدرجة على أساس أن لفظ النبي هو من النـَبوة والنباوة أي الارتفاع والعلو . وعلى هذا الرأي يكون اختيار وصف الرسول في الخطاب لأجل بيان أنه مرسل من قبل الله تعالى,واختيار وصف النبي لبيان علو منزلته ورفعة درجته صلى الله عليه وآله وسلم . وقد يردّ هذا الرأي بأن اصل لفظ النبي نبيء لكن ترك همزه ولو كان مأخوذا من النباوة بمعنى العلو لكان أصله غير الهمز ,فيعلم من ذلك أن لفظ النبي لم يؤخذ من النباوة وانما أخذ من الانباء فالنبي فعيل بمعنى مفعل نحو نذير بمعنى منذر ,فهوَ مخبر عن الله تعالى .وهكذا يكون النبي من أنبأ عن الله تعالى.
2- أن وصف الرسول انما هو بلحاظ أنه يؤمر بتبليغ الرسالة ,ووصف النبي انما هو بلحاظ نزول الوحي عليه أعم من أن يؤمر بالتبليغ أولا فهذا هو الفرق بين الرسول والنبي . وعلى أساس هذا الرأي يكون اختيار وصف الرسول في الخطاب بلحاظ أنه مأمور بالتبليغ ,واختيار وصف النبي في الخطاب باعتبار أنه يوحى اليه. وهذا القول مردود أيضا لأن النبي انما يتصف بهذا العنوان بلحاظ انه مخبر عن الله تعالى فهو لايتصف بهذا الوصف الا اذا كان مأمورا بالتبليغ .
3- أن الفرق بين الرسول والنبي ليس بلحاظ الجانب التجسيدي في العمل ومظهر العمل فالرسول مبعوث للتبليغ والنبي مبعوث للتبليغ أيضا وانما التفاوت في كيفية تلقي الوحي من الله تعالى فان الرسول يستطيع رؤية جبرائيل وسماع حديثه ومكالمته شفاها ,بينما النبي دون ذلك يسمع صوته ولا يرى شخصه يقظة لكن قد يراه في المنام فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا .وقد يجتمعان في شخص واحد كما اجتمعا في محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وعلى هذا الرأي فمن الواضح أن هذه الخصوصية ليست لها مدخلية في إطلاق الوصف بلحاظ المعنى العرفي المتفاهم من كل من اللفظين ,وانما تدل على وجود اصطلاح خاص في استعمال كل منهما . وعلى هذا الرأي يكون اختيار وصف الرسول في الخطاب باعتبار انه يرى جبرائيل ويسمع حديثه ويكالمه شفاها,ويكون اختيار وصف النبي باعتبار أنه مخبر عن الله تعالى بغض النظر عن كيفية تلقيه للوحي . الا أننا على الرأي الأول والثاني لانستطيع التكهن بسبب اختيار أحد العنوانين دون الآخر في شخص خطاب معين من هذه الخطابات القرآنية, اذ على هذا لايعلم سر هذا الاختيار الا الله تعالى ,وليس بأيدينا من الاحاديث مايكشف عنه ,بينما على الرأي الثالث نستطيع على الأقل ان نحتمل وجها دقيقا يكشف عن سبب انتخاب أحد الوصفين دون الآخر وهو أن الخطاب اذا جاء بوصف الرسول بقوله (يا أيها الرسول )فيكون صلى الله عليه وآله وسلم قد تلقى الوحي من خلال رؤية جبرائيل عليه السلام وسماع كلامه ,فنزل جبرائيل عليه بالآية هذه وتلقاها منه وهو يراه ويسمعه ,بينما اذا خوطب صلى الله عليه وآله وسلم بوصف النبي بقوله ( يا أيها النبي )فانه يكون قد تلقى الوحي دون أن يرى شخص جبرائيل يقظة ,فاما أن يكون قد نزلت عليه الآية هذه فسمع الصوت دون ان يرى الشخص ,أو انه رآه في المنام وتلقى منه الوحي )). (6)
وفي النتيجة ، يمكن القول :
- ان الرسول حامل ومبلغ الرسالة الى الناس كافة:
(( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)). [المائدة:67 ]
والنبي هو المسؤول امام الله عن المسلمين بما جاء به الرسول ، مبشرا ومبينا وشارحا ومفسرا وشاعدا، أي انه مكلف بتطبيق هذه الرسالة و مراقبة تنفيذها من قبل الناس ،و بيانها وتوضيحها لهم ، (فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم ، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على اتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكة أو عذابا أو نحو ذلك).
لهذا يخاطبه الله عن كل شيء له علاقة بالمؤمنين برسالة الرسول، أي ما بعد النزول والتبليغ :
ومن وظائفه كما جاءت في القرآن:
- شاهد ومبشر ونذير وداعي.[الاحزاب:45 - 46 ]
- ومحرض المؤمنين على القتال . [الانفال:65 ]
- و يصحح بأمر من الله فكرة المسلمين عن وجود اسرى في حربهم . [الانفال:70 ]
- ويجاهد الكفار والمنافقين.[التوبة:73 ]
- وان لا يطيع الكافرين والمنافقين.[الاحزاب: 1 ]
لهذا :
- يمكن للرسول ان يكون نبيا في الآن نفسه ( رسول ونبي) ، والنبي يمكن ان يتنبأ بلا رسالة ، ولا يكون رسولا، وليس في الاسلام ولا في المسيحية مثل هكذا انبياء ، وانما هم في اليهودية فقط ، وفيهم ايضا الانبياء الملوك ، وقد نفي النبي محمد (ص) ان يكون ملكا، (الانعام :50).
- الرسول ليس له احاديث ، وانما واجبه حمل وايصال قول الله والتبشير والانذار (مع وجود التداخل بين الرسول والنبي)، لهذا لا نجد في الادبيات الاسلامية (حديث رسولي) ، وانما (حديث نبوي) للتبيان والتوضيح ...الخ.
- والنبي يقوم (( بالاجتهاد والعمل حسب المعطيات والإمكانيات والأرضية المعرفية السائدة، ويصحح له من خلال ذلك المقام)). (7)
***
الاتـّباع:
ولو تفحصنا المواضع التي وردت فيها لفظة الاتباع (اتبعوا ،اتبعنا ، يتبعون ) لوجدناها ترد في مقام الرسول الذي يستلم ويبلغ الرسالة ،او ما انزل اليه من السماء ، وليس في مقام النبي ، لان النبي لم تنزل عليه رسالة سماوية ليتبع:
((الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)). [الاعراف:157 ] (
، وكذلك : [آل عمران:53 ] ، [ يس : 20 ]، [البقرة:170 ]، [لقمان :21 ]، [الزمر: 55 ]، [ الاعراف:2 - 3 ]
***
الرسول لايجيب الا بوحي:
كان محمد (ص) عندما يسأله بعض صحابته ، او غيرهم بصفته النبوية وهو يعيش بينهم ، فانهم يسألونه كنبي لا كرسول، الا انه – في الكثير من الاحيان - ينتظر الاجابة من الوحي، لانه رسول ينزل عليه في الوقت نفسه ، فتكون اجاباته رسولية نبوية ، على شكل ايات قرآنية.
يقول البخاري في صحيحه ( ج 8 - ص 148 – 154) :
(( باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أولم يجب حتى ينزل عليه الوحي ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى بما أراك الله وقال ابن مسعود سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت ابن المنكدر يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فأتاني وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت فقلت يا رسول الله وربما قال سفيان فقلت اي رسول الله كيف اقضي في مالي كيف اصنع في مالي قال فما أجابني بشئ حتى نزلت آية الميراث)). (9)
وقال ابو رية: ((عن ابن عباس قال : ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن ، منهن : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ، ويسألونك عن المحيض ، قال : ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم - وقال القاسم إنكم تسألون عن أشياء ما كنا نسأل عنها ، وتنقرون عن أشياء ما كنا ننقر عنها فما رأيت قوما أيسر سيرة ولا أقل تشديدا من الصحابة)).(10)
و قال الحاكم النيسابوري: (( عن أبي الدرداء رضي الله عنه رفع الحديث قال ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية فان الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه)).(11)
و النبي - من مقام النبوة فقط – عندما يسأل يأتي جوابه من مرجعيتين : احدهما المرجعية التي تحدثنا عنها في السطور السابقة – أي من مقام الرسالة – و اخرى تستلهم الواقع الذي يعيشه المسلمون ، كقضية (تأبير النخل) ، واختيارمكان المعركة،وغيرهما من الامور التي ذكرتها المصادر ، لهذا نجد المسلمين يسألونه (ص) هل هذا وحي منزل من الله او رأي خاص، او ما شاور المسلمون عنه ؟ ((وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)). [آل عمران :159 ]
فاقوال الرسول هي ما يوحى له ،ومن تلك الاقوال، الايات التي بدأت بلفظة (سألك ، يسألونك ، يسألك)، والله سبحانه يأمر النبي ان يقول (قل) كذا:
(( يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون)). [البقرة:189 ] ، وكذلك : عنه سبحانه [البقرة:186 ]، وعما ينفقون [البقرة:215 ]،وعن الشهر الحرام [البقرة:217 ]، وعن الخمر والميسر [البقرة:219 ]، وعن اليتامى [البقرة:220] ، وعن المحيض [البقرة:222 ]، وعما احل لهم [المائدة:4 ]، وعن الانفال[الانفال:1 ]، وعن الساعة [الاحزاب: 63 ]، وعن الجبال[طه:105 ]، وعن الروح [الاسراع:85 ]، وعن ذي القرنيين [الكهف:83 ]
وهناك الكثير من الايات التي تدعم هذه الفكرة ، فضلا عما نزل ابتداء بدون سؤال من احد ، وكذلك التشريعات . فالقرآن هو كل ذلك ، اضافة للقصص.
كذلك عندما يسأل الناس النبي (ص) عن بعض الامور الدنيوية ، او مما يتعارف عليها الناس في مجتمع تلك الفترة – كما ذكرنا سابقا - ، فأن اجاباته تنبع من مقام النبوية (اجتهادات) ، والامثلة كثيرة ، حفلت بها المصادر التاريخية، وكان الكثير من تلك الاجابات غير صائبة ، اما لانها من امور الاختصاص (كقضية تأبير النخل) فتصوب من قبل المختصين،او انها تقع ضمن تشريع جديد يريده الله ان يسري بين افراد الامة الاسلامية (سترد الامثلة في السطور القادمة) فيصوبه سبحانه بالوحي، او ان اجاباته (ص) مبنية على ما نزل اليه من السماء .
فلو تتبعنا ابواب كتب الحديث عند كل المذاهب، لرأينا ان كل احاديثها لم يكن فيها تشريعا ، وانما الذي تحمله هو البيان لما في القرآن ، انها بيان وتوضيح ، وحتى ما يحمله الحديث من تخصيص العام وتقيد الاطلاق على سبيل المثال ، لم يكن تشريعا ، وانما هو كلام على كلام كما يقول بعض المهتمين بالنقد الادبي ، يوضح ويبين ويفسر، وهذه الوظائف تأتي بعد التبليغ ، الوظيفة الاصلية للرسول .
وعلى سبيل المثال لو تتبعنا ما جاء في كتب الاحاديث من تحليل وتحريم من قبل النبي لرأينا ذلك واضحا ، اذ كل الذي جاء فيها من اوامر ونواهي وتحليل وتحريم قد ذكر في القرآن.
احاديث نبوية تعتمد القرآن اساسا :
وخير مثال على ذلك ، ما ذكره الامام مسلم في صحيحه، ج8 ( كتاب البر والصلة والآداب ) على سبيل المثال :
(( - باب بر الوالدين وانهما أحق به. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب النهى عن التحاسد والتباغض والتدابر. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله. (يدعمه الوحي بايات .كثيرة)
- باب النهى عن الفحشاء والتهاجر. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب تحريم الظلم. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب تحريم الغيبة. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
--باب تحريم النميمة. (يدعمه الوحي بايات كثيرة) .
- باب النهى عن ضرب الوجه. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب تحريم الكبر. (يدعمه الوحي بايات كثيرة).
- باب النهى عن تقنيط الانسان من رحمة الله تعالى. (يدعمه الوحي بايات كثيرة) ...)).
وكذلك ما جاء في الكافي ج 2 من احاديث تدعمها ايات قرآنية ، و في كتاب سنن النبي ( ص ) للسيد محمد حسين الطباطبائي، وغير ذلك من كتب الحديث والكثير من المصادر.
فلو ان النبي (ص) لم يتفوه بتلك (الاحاديث) ، فهل المسلم يبقى اسلامه ناقصا ؟ الجواب كما ترى هذه السطور : كلا. لان القرآن قد تكفل بذلك.
***
الاجتهاد المصحح وحيا:
اما عندما يجتهد النبي امرا ما لم يكن موافقا لشرع الله ، فان الوحي بصوبه.
أن التصويب يكون دائما من مقام النبوة ، وليس من مقام الرسالة ، وما ذكرته مصادر اسباب النزول في بعض القرارات التي اتخذها النبي ولم يوافق عليها الوحي الالهي كثيرة، منها:
قضية زيد (وتخفي في نفسك ). (( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا * ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا )).[ سورة الاحزاب: 37 - 38]
قضية تحريم الزوجات (سورة التحريم ): (( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير* إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا. [ تحريم 1 - 5 ]
قضية (اتخاذ الاسرى) : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين * يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين * ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم * فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم * يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم * وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم)). [ انفال: 64 - 71 ]
و((عن ابن عمر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا ولك الحمد في الأخيرة ثم قال اللهم العن فلانا وفلانا فأنزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون )).
في القضايا اعلاه خاطب الله محمدا (ص) بصفته النبوية ، وهناك قضايا اخرى لم يستخدم الله عند مخاطبته محمدا (ص) أي صفة، وعلى سبيل المثال ما جاء في القضايا التي ناقشتها الايات التالية:
قضية ابن ام مكتوم ، سورة(عبس) .
قضية الاذن بعدم الخروج الى الحرب . اية (عفى الله عنك لما اذنت لهم) .(12)
***
وما يؤكد قولنا في ان النبي والرسول لا يشرعان ، ما جاء في الكافي ج 2 - ص 17، في ( باب الشرائع ):
(( عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا ( صلى الله عليه وآله ) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ( عليهم السلام ) : التوحيد والاخلاص و خلع الأنداد والفطرة الحنيفية السمحة ولا رهبانية ولا سياحة ، أحل فيها الطيبات وحرم فيها الخبائث ووضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم ، ثم افترض عليه فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود و الفرائض والجهاد في سبيل الله . وزاده الوضوء وفضله بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصل وأحل له المغنم والفئ ونصره بالرعب وجعل له الأرض مسجدا وطهورا وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والانس وأعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم ، ثم كلف ما لم يكلف أحد من الأنبياء وانزل عليه سيف من السماء ، في غير غمد وقيل له : " قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك " )).
((وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله فرض فرائض فلا تعتدوها ، وحد حدودا فلا تقربوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها " ، رواه الدارقطني والنووي في الأربعين )). (13)
فأي امر بقي من الاسلام خفي عن المسلمين؟ خاصة اذا كانت لفظة سنة في المعنى الاصطلاحي هي كل ما اثر عن النبي من قول او فعل او تقرير، الا انه لم ترد في القرآن ولو لمرة واحدة ما يفهم ان هناك سنة للنبي ، بل الذي ورد هو ان هناك سنن سبقت الاسلام ، سنن الاولين (الانفال - 38) (ال عمران - 137)، وسنن رسل الله الذين سبقوا محمدا (الاسراء - 77)، فضلا عن سنة الله [الاحزاب: 62 ]، [غافر: 85 ]، [الفتح: 23 ]
***
وفي دراسة معمقة للحديث وتاريخه ومصاديقه قام بها محمود ابو رية ، توصل الى نتيجه تنكر وجود ما يسمى بـ (السنة القولية ) (14) ، وانما الموجود هو السنة العملية فقط ، والتي جاءت - عن طريق تعليم جبرائيل للنبي ككيغية الصلاة- للتوضيح والتبيان لما جاء به الشارع ، لا للتشريع.
قال : (( لم يجمع الصحابة السنة القولية ، ولم يتفقوا عليها ، كما جمعوا القرآن واتفقوا عليه .
إن أئمة المسلمين لم يتفقوا على الصحيح منها ، وما منهم من أحد إلا خالف في مذهبه كثيرا منها - ولو صح عند غيره الخ .
الأصل في العبادات البطلان ، حتى يقوم دليل على الأمر .
والأصل في العقود والمعاملات الصحة ، حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم .
والفرق بينهما - أن الله سبحانه لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله ، فإن العبادة حقه على عباده ، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه .
وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها ، ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين ، وهو تحريم ما لم يحرمه ، والتقرب إليه بما)).(15)
وقد افترق العلماء في النظر الى السنة – بكل تجلياتها – فمن قائل انها تشريعية كلها، ومن قسمها الى سنة تشريعية وسنة غير تشريعية ، ومن قال بنفي التشريع عنها ، خاصة عند النظر الى التغيرات التي حصلت بعد رحيل النبي (ص) الى جوار ربه ، والتي احدثها خلفاء النبي والكثير من الصحابة والمسلمين عبر تاريخ مسيرة الاسلام ،فذكروا الكثير منها.
***
اما ما يذكره العلماء من امثلة تؤكد التشريعات النبوية من مثل: حرمة زواج المرأة على عمتها او خالتها (اختلف المسلمون في ذلك)، و ان "لا وصية لوارث"،و (( من احيا ارضا ميته فهي له ، وليس لعرق ضال حق )) (16) وغيرها ، فهي تحتاج الى دليل قرآني ، لان اغليها يتضارب مع القرآن.
اذن، يمر كلا من الرسول والنبي بأدوار ثلاث، هي :
- دور الرسول : ووظيفته حمل الرسالة الالهية ، والتبشير بها ، وانذار للناس.
- دور الرسول النبي: إذ تتماهى وظيفة الرسول بوظيفة النبي ، فيكون التبشير بالرسالة ، والانذار .
- دور النبي : ينفصل النبي عن الرسول ، ووظيفته هي البيان والشرح والتفسير،لانه شخص يعمل بين الناس والمسلمين خاصة ، ويحمل ثقافتهم ومعارفهم.
والخلاصة:
يتضح من اعلاه ،لا الرسول و لا النبي يكون التشريع من وظيفته ، وانما هو من عند الله سبحانه.
آب/ 2011
الهوامش:
1 – في هذه الاية نجد سبحانه قد اوكل وظيفتي التبشير والانذار للانبياء ، وهما وظيفتان للرسول ، والسبب انه سبحانه انزل كتابا (شرعا ، دينا) الى رسول هو في الوقت نفسه نبيا ، أي هناك رسول نبي ، كموسى ، وعيسى ، ومحمد،فكل رسول هو نبي يبعث من بين الناس ،لهذا قال سبحانه انه (بعث) الانبياء . اما الكتب فكانت تنزل على الرسل الذين هم في نفس الوقت انبباء ، يأتون بانباء السماء (رسالتهم) عن طريق الوحي.
2 - تأتي هذه الدراسة ردا على من يقول ان النبي محمد (ص) يقوم بالتشريع ، خاصة ماورد في رسالة شخصية لي ارسلها المرجع الديني الجعفري سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد اجابة لما طرحته دراستي المعنونة (( اختلاف أمتي رحمة - مرة اخرى)) التي انكرت فيها وظيفة التشريع عن الانبياء ونبينا خاصة . قال في تلك الرسالة : ((إن تهميش دور السنة النبوية في التشريع أمر خاطيء من الناحية العلمية , و لا يمتلك الأدلة الصحيحة . بل إن القول بأن السنة النبوية هي المصدر الرئيسي الثاني للتشريع والذي لا غنى عنه في إستقاء أحكام الشريعة و مفاهيمها و الذي لا يقتصر على مجرد بيان و توضيح الآيات القرآنية الكريمة , أقول إن هذا القول هو الثابت بالأدلة العلمية البينة و التي لامجال هنا لبحثها )).وحتى قول سماحته – وكذلك قول من سبقه – في ان ((النص يكون مخصصا لعمومات الحلية و مقيدا لأطلاقاتها)) ، فانني ارى ان النبي عندما يقوم بذلك فإنه يصدر من مرجعيتين ، الاولى هي الله سبحانه ، وعندها لا يكون تشريعا منه ، والثانية اجتهاده حسب ما يفرضه الواقع والاعراف الاجتماعية ، عندها يكون اجتهاد يمكن الاخذ به او لا . وهنا ربما معترض يقول ان الله سبحانه امرنا ان نطيع الرسول (وردت طاعة الرسول احد عشر مرة) ، فنقول ان اطاعة الرسول بما يوحى له وليس غيره، ولم ترد مرة واحدة اطاعة النبي ، والشواهد كثيرة وردت في الاحاديث النبوية – ان صحت - ، إذ لم يتخذها المسلمون سنة يطبقونها .
3 - الفروق اللغوية - أبو هلال العسكري - ص 530 - 538
4 - تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 2 - ص 139 – 143
5 – التعريفات – علي بن محمد الجرجاني – دار الكتاب العربي – ط1 – تح: ابراهيم الابياري.
6 – الموقع الالكتروني لسماحته.
7 – جناية البخاري – اوزون
8 - في هذه الاية يكون المخاطب رسولا ونبيا في الوقت نفسه (لتداخل بعض الوظائف)، ولانه سبحانه يريد ان يؤكد ان الرسول هو نبي امي كما يعرفه الناس- اذا فهمنا لفظة امي بمعنى الذي لا يقرأ ولا يكتب ، او بأي معنى كان- و هذا لا ينقص من الامر شيء عند استلامه وحمله وتبشيره برسالة السماء.
9 - وهناك باب وضعه البخاري عن تعليم النبي لصحابته وحيا مثل باب ( باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل).
وجاء كذلك في الصحيح ( ج 8 - ص 154 – 159).
(( عن ابن عباس ان عمر رضي الله عنه حدثه قال حدثني النبي صلى الله عليه وسلم قال اتاني الليلة آت من ربي وهو بالعقيق ان صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة وحجة )).
10 - أضواء على السنة المحمدية - محمود أبو رية - ص 400 – 401
11 - المستدرك - الحاكم النيسابوري - ج 2 - ص 375
12 - راجع كتابنا : وحدة المصدر - دراسات في الايات القرآنية التي فيها خلاف .
13 - أضواء على السنة المحمدية - ابو رية ص397
14- (( قال السيد رشيد رضا : هل الأحاديث - ويسمونها بسنن الأقوال- دين وشريعة عامة ، وإن لم تكن سننا متبعة بالعمل بلا نزاع ولا خلاف ، لا سيما في الصدر الأول ؟ إن قلنا نعم ! فأكبر شبهة ترد علينا - نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة شئ عنه غير القرآن ، وعدم كتابة الصحابة للحديث ! وعدم عناية علمائهم وأئمتهم كالخلفاء بالتحديث ! بل نقل عنهم الرغبة عنه)) . (أضواء على السنة المحمدية - محمود أبو رية - ص 398)
- تقول د .شهلة الحائري في كتايها (المتعة الزواج المؤقت عند الشيعة – حالة ايران 1978 - 1982) ص21:
(( يمثل القرآن الكريم كما اوحي به الى النبي محمد (ص) في القرن السابع الميلادي اصل الشريعة الاسلامية . وبالنسبة الى المسلمين يعتبر القرآن الكريم المعجزة الالهية التي تحتوي الحقيقة المطلقة . فهو كلمة الله ووحيه ، ولذلك بؤمنون بفدسيته وكماله وابديته . الاحكام القرآنية تغطي مساحة محدودة نسبيا من الحياة الاجتماعية . تاركة الدوائر الاخرى المتزايدة التعقيد ، من حياة المجتمع الاسلامي ، مفتوحة امام الارتجال والاجتهاد الفردي. ولتكييف هذه الشرائع المقدسة وللحد من تنوع الاراء الفقهية ، تم تجميع اقوال النبي محمد (ص) "الاحاديث" ، واستعملت كمصدر ثان للتشريع ولحسم الخلافات الفقهية . وعلى الرغم من تشاركهما في هذين المصدرين الاساسيين للشريعة الاسلامية ، فقد اوجد الشيعة والسنة مجموعتين متمايزتين و " شرعيتين" من الاحاديث النبوية او " السنة النبوية " ، على الرغم من التداخل القائم بينهما . لذلك ، تحمل الشريعة الاسلامية ، العلامة الثقافية لكل من الشخصيات التي قامت بتجميعها وتنظيمها ، سواء كانت شيعية ام سنية ،على الرغم من محاولات تقليص حدود الاجتهاد في الاسلام . والدليل على ما تقدم ، هو وجود خمس مدارس في الفقه الاسلامي ، معترفا بها رسميا ، في أي حال ، فان جميع مدارس الفقه الاسلامي تتفق على ان القرآن الكريم مقدس ولا يتغير ، وينسخ جميع الشرائع والتفاسير البشرية.)). راجع: – المتعة - الزواج المؤقت عند الشيعة – حالة ايران 1978 - 1982ت: فادي حمود – شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – بيروت – طبعة سابعة ومنقحة 1996 .
15 - أضواء على السنة المحمدية - ص 404 – 409.
16 - لنا دراسة نقوم بإنجاوها بعد فترة تؤكد ان هذا الحديث اما ان يكون موضوعا، او ان يكون من اجتهادات النبي التاريخية.