الحلقة الثانية والعشرون:
استمعت إلى رنين الهاتف من الطرف الآخر في قلق و انتظار... ترى هل ستكون راوية من يرفع السماعة... أم ستولي أمها المهمة مرة ثانية؟!
ما لبثت أن سمعت صوتا مبحوحا مترددا يقول :
ـ السلام عليكم و رحمة الله...
إنه صوت راوية!!
ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته... راوية ما بال صوتك؟ هل أنت بخير؟
تنحنحت قليلا و هي تقول في بساطة :
ـ لا، لا تقلقي... إنها نزلة برد خفيفة...
ران صمت ثقيل بيننا قبل أن أهتف دون سابق إنذار :
ـ راوية... أنا منفعلة و قلقة جدا... حسام سيقابل أبي اليوم!!
هتفت بدورها في حماس :
ـ حقا؟! نعم... لقد نسيت الحكاية!
ـ أرجوك راوية... هل يمكنك أن تأتي؟
أجابت دون تردد :
ـ أنا قادمة حالا!
وضعت السماعة و أنا لا أصدق ما حصل... لم أكن أظن أن المشكلة ستنتهي بهاته البساطة... كانت ابتسامتي العريضة تزين وجهي حين دخلت أمي فتطلعت إلي باسمة و غمزت كأنها تقول لي :
ـ ألم أقل لك أن بعض الوقت سيحل الإشكال!
وصلت راوية بعد حوالي نصف ساعة. سلمت على أمي ثم دخلنا إلى غرفتي كالعادة. نظرت إليها محاولة أن أستطلع ما تفكر فيه...
وقفت في منتصف الغرفة مطأطأة الرأس و قالت في خجل :
ـ أنا آسفة يا مرام على ردة فعلي العصبية البارحة... أظن أنني بالغت قليلا!
عانقتها في فرح و قد أوشكت عيناي أن تدمعا :
ـ لا بأس يا حبيبتي المهم أنك فهمت قصدي في النهاية و أنني لا أريد لك إلا الخير...
عانقتني في حنان لبرهة... لكنها تراجعت فجأة و نظرت إلي في تحفز كأنها تذكرت أمرا ما :
ـ لكن هذا لا يمنع أنه كان بإمكانك إعطائي الجواب ثم شرح الأمر لي!! يعني في تلك الظروف، و مع الاختبار الذي حبس أنفاسي، هل تظنين أنني من الممكن أن أستوعب شيئا من مواعظك؟!
ـ و لكن يا راوية يا حبيبتي... الخطأ يبقى خطأ! هل سنعود إلى نفس الجدال الآن؟!
ـ طيب... لن نتناقش في المسألة ثانية...
جلسنا على الفراش... و فجأة ارتفعت الوسادة في خفة لتصيب رأسي مباشرة في ضربة موفقة من طرف راوية :
ـ و بعد كل هذا تنتظرين إلى اليوم لتصالحيني؟! كنت أنتظر مكالمتك طوال الليل!
نظرت إليها في دهشة :
ـ لكنك رفضت التحدث إلي حين اتصلت البارحة!
أشاحت بوجهها و عقدت ذراعيها أمام صدرها :
ـ كان يجب أن أتدلل قليلا، لأعرف معزّتي عندك...
ثم التفتت إلي في حدة و هي تقول :
ـ لكنك تجاهلتني ليلة كاملة!
أغرقت في الضحك و أنا أقول :
ـ أردت إعطاءك الوقت الكافي لتفكري و تستعيدي هدوءك... لمَ لم تقولي أنك كنت تنتظرين مكالمتي بفارغ الصبر؟! و أنه أصابك السهاد و أنت تفكرين في؟! كنت طرت إليك يا عزيزتي! رنة واحدة على الهاتف الجوال كانت تكون كافية لأفهم!
انقضت إلي تهوي على رأسي بالوسادة :
ـ و تسخرين مني أيضا!! طيب... أنا المخطئة! كان يجب أن أعذبك حتى أرضى!
ثم ارتفع ضحكنا في مرح طفولي عذب...
طرق الباب طرقات خفيفة... كان قد مر على قدوم راوية بضع ساعات لم ينقطع حديثنا خلالها... ارتفع صوتي لأسمح للطارق بالدخول
أطل وجه أخي ماهر و قال في مشاكسة :
ـ أنا ذاهب الآن لاستقبال الدكتور حسام في المحطة و إحضاره إلى هنا... هل تريدين أن أبلغه شيئا ما قبل دخوله الاختبار؟!
احمر وجهي فجأة... لكنني تمالكت نفسي بسرعة نظرت إليه في حدة وقلت في لامبالاة :
ـ شكرا على مبادرتك اللطيفة... يمكنك الانصراف الآن!
وقفت لأغلق الباب خلفه... تناهى إلي صوت حديث قادم من الرواق... كان أبي يتحدث إلى أمي في ضيق :
ـ لمَ هو مستعجل إلى هاته الدرجة؟ لا زال أمامهما الكثير من الوقت ليتما دراستهما ثم ليجد عملا مناسبا و يكون قادرا على فتح بيت و إعالة زوجة و أبناء!
همست أمي في رجاء :
ـ الشاب قادم بعد حين... اسمع منه قبل أن تحكم عليه...
ـ لن يغير ذلك في الأمر شيئا... لا يمكن أن أوافق على طالب لم يضمن مستقبله بعد! هل تريدين أن أسلمه مستقبل ابنتي بهذه السهولة؟!
ثم استطرد في حزم :
ـ ما كان يجب أن يكلف نفسه عناء القدوم... الرفض أمر محتم!
أغلقت الباب و عدت إلى راوية و قد اصفر وجهي... بادرتني في قلق :
ـ ما بك يا مرام؟ ما بال لونك قد تغير؟
جلست مطرق و قلت :
ـ أسأل الله أن يمر لقاء اليوم على خير...
<<< تـابعـــــــــــونا غدا باذن الله >>>