الحلقة العاشرة
أمسكت بذراع راوية في شدة و أنا أرجوها :
ـ أرجوك يا راوية، أتوسل إليك يا حبيبتي تعالي معي إلى المستشفى! لا أريد أن أواجه ذاك المتوحش بمفردي!!
هزت كتفيها دهشة و قالت :
ـ و ما الذي يمكنني فعله من أجلك؟ أتكلم باسمك؟ اعذرها يا سيدي فقد فقدت القدرة على النطق من وقع الصدمة لما طلبتها للزواج!؟
قالت ذلك و انفجرت ضاحكة...
ـ أنا لا أمزح يا راوية، تدخلين إليه و تقولين أنك مبعوثة من طرفي... أحسن لو تقولين أنك من طرف الكلية و أن الطالبة مرام تأخرت في إرجاع مطبوعة التقييم... ما رأيك؟
تفكرت راوية قليلاً ثم قالت :
ـ و هل تظنين من الصعب عليه أن يموه و يقول بأنه سيرسل المطبوعة لاحقاً؟ أو يتصل أصلاً بالمشرفين على التمارين في الكلية... فقد يكونون من أصدقائه فيتلاعب... لا لا يا مرام، يجب أن تواجهيه بنفسك و ننتهي من الحكاية مرة واحدة...
يا إلهي... ألهمني الصبر و الثبات...
تنهدت في تسليم، فأردفت راوية مداعبة :
ـ ما رأيك في تأجيل العملية إلى ما بعد حفل الافتتاح... ستكون نفسيتك قد تحسنت و قد اكتسبت مناعة جديدة لمواجهة الموقف...
حدق بتها بنظرة صارمة...
إنها لا تتعب من مشاكستي...
خاصة أن الموضوع يروق لها...
و بالفعل ذهبنا إلى حفل الافتتاح أولاً...
وصلنا مبكرتين كالعادة... و لم يكن الضيوف قد بدؤوا بالتوافد. لمحت عن بعد دالية تقف رفقة سهير. طبعاً، فهي صديقتها المقربة! لكن ما إن رأتنا دالية حتى ركضت إلينا لتحيينا...
ـ كنت أعلم أنكما لن تضيعا الفرصة!
فأومأت راوية برأسها قائلة :
ـ نعم، أكيد فمرام من المهووسين بميدان التنمية البشرية و لديها مختلف الموسوعات قد التي تتصورينها... أشرطة و كتب و محاضرات... و جعلتني أدمن معها!
ثم انفجرت ضاحكة و ضحكت دالية، و قد احمر وجهي من الخجل! هداك الله يا راوية... تريد أن تجعل مني موضوع الحديث!
ـ لحظة سأعود إليكما...
جرت دالية إلى الجانب الآخر من القاعة، فتبعتها بعيني ثم لكزت راوية في بطنها :
ـ ما الذي تفعلينه؟
ـ أخدم مصالحك يا ابنتي! الشاب أرسل أخته لتتعرف عليك و تأتيه بمعلومات عنك... فيجب أن يكون الحديث ثرياً بحيث يحصل على ما يريد في أقصر وقت ممكن!
ـ إنها افتراضاتك يا راوية! أنت من يقول أنه أرسلها في حين أن الفتاة تتصرف بكل عفوية... فلا تحملي القصة أكثر مما تستحق!
ـ اسمعي كلامي و لن تندمي... حتى إن كانت تتصرف بعفوية، إذا أعجبت بك فسوف تتحدث عنك أمامه، فيحصل المراد على أية حال! دعيني أتصرف...
عادت دالية و عادت راوية تحدثها عن موهبتي في الكتابة، و عن الرياضات التي مارستها، و عن الكتب التي تحويها مكتبتي الشخصية... سرحت بعيداً عنهما للحظات، حين انتبهت من جديد سمعت راوية تقول ضاحكة :
ـ و أخيرا تقدم لها رئيس القسم الذي قامت فيه بتمرينها... و هي أكيد سترفض لأنه ليس الشخص المناسب لطموحاتها...
تحول لوني إلى الأحمر القاني، و قلت مقاطعة الحديث :
ـ متى يبدأ الحفل يا دالية فالقاعة بدأت تمتلئ...
ابتسمت و قالت :
ـ تركت حسام مع ضيوف الشرف، أكيد لن يتأخروا كثيرا، بضع دقائق فقط... سأنظر إن كان بإمكاني المساعدة بشيء ما...
ثم انطلقت من جديد. فأمسكت بخناق راوية و أنا أعنفها :
ـ ما الذي كنت تقولينه؟ هل كان من الضروري إثارة موضوع رئيس القسم؟!
ـ طبعا يا حبيبتي، ليعلم أنك مرغوب فيك و مطلوبة للزواج و ليس من طرف أي شخص، بل من طرف رئيس قسم!! فعليه أن يبادر سريعاً و إلا فستضيعين من بين يديه!!
نظرت إليها مذهولة فاستطردت :
ـ ألم أقل لك دعي الموضوع علي و سيتم كل شيء كما تريدين...
في نفس تلك اللحظة حانت مني التفاتة، فلمحته يقف غير بعيد
لم أره فيما بعد أثناء الحفل... فقد كان يشرف على التنظيم و يتنقل باستمرار في القاعة.
انقضى الحفل و انصرفت رفقة راوية... في اتجاه المستشفى!!
ـ أليس الوقت متأخراً ؟ سأذهب غداً...
جرتني راوية بقوة و إصرار :
ـ بل ستذهبين الآن حالاً و سننتهي من الحكاية برمتها... إنها الساعة الخامسة، سيكون في مكتبه...
تنهدت في ألم، لا أريد أن أراه ثانية!!!!
دخلنا القسم...
كانت هنالك حركة غريبة في الداخل... لمحت رنا فركضت إليها أسألها عم يحصل
ـ هناك زيارة خاصة للقسم من طرف وزير الصحة!!
ـ وزير الصحة هنا؟!
ـ نعم زيارة مفاجأة...
تطلعت ناحية المكتب... كان الباب مفتوحاً. لمحت عدداً من الأشخاص الذين يبدو عليهم الأهمية و الوقار... ممثلو الوزارة بكل تأكيد
إنها فرصتك يا مرام!!
تركت راوية واقفة عند رنا و انطلقت إلى المكتب...
ـ يا مجنونة... إلى أين تذهبين... انتظري...
تجاهلت نداء راوية و تقدمت إلى أن وصلت إلى الباب. طرقته بهدوء لأثير انتباه الحاضرين. التفت إلي الجميع و اشتعل وجه رئيس القسم و بادرني :
ـ أهلا بك آنسة مرام... ألا ترين أنني في اجتماع مع سيادة الوزير؟!
فأجبته في جدية و جرأة :
ـ آسفة سيدي على الازعاج، لكنني في حاجة إلى مطبوعة التقييم للكلية، فقد تأخرت في ردها... و المسألة لن تستحق سوى توقيعك سيدي...
نظر إليه الوزير و قال :
ـ لا بأس... و قع الورقة، فليس هدفنا تعطيل المصالح العامة هنا...
تناول رئيس القسم المطبوعة من الدرج حيث حفظها بعناية و وقعها على مضض... ثم سلمها لي في جفاء :
ـ تفضلي...
تناولتها و أنا لا أصدق عيني و وجدتني أبتسم شاكرة و أقول :
ـ شكرا لك سيدي الوزير... دمتم ذخراً للوطن...
خرجت حامدة الله وشاكرة وانا أردد الآية الكريمة
(ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب)..
اليـوم الـتـــالي
استيقظت اليوم و أنا أحس بألم شديد في منطقة البطن و أسفل البطن...
تمالكت نفسي بصعوبة و جلست في الفراش و أنا أتحسس موضع الألم ، و الألم يزداد...ما الذي يحصل معي؟
لا أتوقف عن التفكير... لشد ما أقلق من الاضطرابات الصحية!
أخذت حبة مسكن للألم و قررت أن أتجاهل الأمر.
لا عليك يا مرام، إنها حادثة بسيطة... بضع اضطرابات ثم سيسير كل شيء على ما يرام.
حاولت أن لا أعير المسألة اهتماما.
كنت أتابع محاضرة في نظام المناعة، حين فاجأتني الآلام من جديد... كانت أقوى هاته المرة. تركت الأوراق جانباً، و عضضت على أصابعي بشدة حتى لا أطلق صرخة وسط القاعة المليئة بالطلبة...
كانت راوية جالسة إلى جانبي، في تركيز تام مع الدكتور المحاضر...
التفتت إلي فجأة لتسألني :
ـ هل سمعت ملاحظته الأخيرة؟ لم...
ثم انتبهت إلى أنني لم أكن في وضع يسمح لي بإجابتها...
ـ مرام، حبيبتي... ما بك؟ هل أنت بخير؟!
أجبتها من بين أسناني و أنا أتلوى من الألم :
ـ بطني يا راوية، بطني... أحس ألماً شديداً...
وقفت راوية فزعة و أخذت بذراعي لتقودني إلى خارج القاعة... و قد لحقتنا عيون كثيرة، لاحظت خروجنا المفاجئ قبل انتهاء المحاضرة.
شرحت لراوية المشكلة و أنا أغالب دموعي فقالت بحزم :
ـ يجب أن تذهبي إلى الطبيب... سأتصل بوالدتك لتأتي بالسيارة...
جلست لأستريح و أنا في غاية الإعياء، في حين سارعت راوية تتصل بأمي و تعلمها بحالتي الطارئة. ما لبثت أن رأيت سيارة أمي تظهر من باب الكلية، ثم تتوقف غير بعيد عنا في الساحة. نزلت أمي بسرعة و تركت السيارة مفتوحة... ركضت إلي في هلع شديد و احتضنتني قلقة :
ـ ما بال صغيرتي؟!
شرحت لها مجدداً الأعراض فأخذتني من يدي و قالت :
ـ سآخذك فوراً إلى الطبيبة
لست أدري كم لبثنا من الوقت جالستين في قاعة الانتظار، و أمي تمسح على رأسي في حنان و أنا قد استسلمت للآلام التي لم تتوقف...
جاء دورنا. استمعت الطبيبة إلى أمي تصف لها الأعراض ثم فحصتني قبل أن تحرر وصفة مكونة من عدد غير قليل من الأدوية ثم قالت :
ـ عليك المواظبة على هذا العلاج مدة شهرين... لا تقلقي... تجنبي حمل الأشياء الثقيلة و الوقوف مطولاً... حاولي التمدد و الاسترخاء مرة كل 4 ساعات على الأقل لمدة ربع ساعة... و إن شاء الله تكون الحالة قد تحسنت حين نلتقي بعد انتهاء العلاج...
نظرت إليها مستفسرة :
ـ لكن ما الحالة يا دكتورة؟ أنا أدرس الطب و يمكنني أن أفهم...
هزت رأسها مبتسمة و قالت :
ـ جميل... لكنني لا أقدر أن أقول لك شيئا غير أن سنحاول من خلال العلاج أن نعيد النظام إلى طبيعته... ثم سننظر ما يمكننا فعله...
لم يكن كلام الطبيبة مطمئنا أبدا...
إنها تخفي عني حقيقة الوضع!
يا إلهي...
هل سأحرم من الإنجاب؟!!!
<<< تـابعـــــــــــونا غدا باذن الله مع الحلقه القادمه >>>